للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني عشر: الموازنة بين أسباب تفاضل الأعمال وما الذي يقدم منها عند التزاحم]

تقدم من خلال البحث ذكر أسباب التفاضل بين الأعمال، باعتبارات كثيرة تزيد على العشرة، كما هو ظاهر من استعراض البحث.

وهاهنا سؤال مهم تتعين الإجابة عليه وهو: هل بالإمكان الجمع بين أنواع التفاضل كلها، وتحققها مجتمعة للعامل، أم أن هذا غير ممكن؟

والجواب على هذا أن اجتماع أسباب التفاضل كلها للعامل ممكن ومتصور، بل هذا هو الأصل الذي نُدِب إليه العباد في أعمالهم، بأن يحققوها على أحسن الأوجه وأكملها، كما قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ (١) بل إن اجتماع كثير من أسباب التفاضل المذكورة في عمل واحد متصور ممكن، وذلك بأن يجتمع في العمل أن يكون فاضلا باعتبار جنسه، متعديا للخلق، كما يتحقق للعامل فيه قوة الإخلاص، وحسن المتابعة، مع تأديته له على وجه الاقتصاد والسداد، ولزوم المداومة، إلى غير ذلك من الأسباب المذكورة، التي يتصور اجتماعها في عمل واحد، فيزكو بقدر ما اجتمع فيه من أسباب التفاضل.

لكن ينبغي أن يقرر هنا أن إمكانية اجتماع أسباب التفاضل في حق العامل من حيث التقرير العلمي، والتصور الذهني، أو حتى تحققها في الخارج في بعض الأفراد: أن هذا لا يعني أن يكون هذا الحكم عاما في حق كل الأفراد، بل ولا في الغالب منهم؛ وذلك أن بعض أسباب التفاضل قد يتعذر تحقيقها مجتمعة لدى الكثير من الناس: إما قدراً، أو شرعاً، فلا يكونون حينئذ مخاطبين بها، بل لابد لمن كانت هذه حاله، أن يرجح بين أسباب التفاضل، فيأخذ بالأقوى منها في


(١) الملك: من الآية ٢

<<  <   >  >>