ومن هنا كانت الحاجة ملحة لعقد هذا المبحث الخاتم للمقارنة بين أسباب التفاضل عند التزاحم.
ومدار البحث في هذه المسألة وقطب رحاها يبنى على النظر في أصلين:
الأول: الموازنة بين أسباب تفاضل الأعمال من حيث الإطلاق، وما الذي يقدم منها عند التزاحم.
الثاني: الموازنة بين أسباب تفاضل الأعمال في حق المعينين باعتبار تفاوت أحوالهم.
أما الأصل الأول: وهو الموازنة بين أسباب تفاضل الأعمال من حيث الإطلاق، فهذا الأصل مبناه على معرفة مراتب أسباب التفاضل بين الأعمال، وما الذي يقدم منها عند التزاحم من حيث الجملة. وذلك أنه تقدم في ثنايا البحث، أن الأعمال تتفاضل باعتبارات كثيرة، فإذا ما تعارض عملان فاضلان باعتبارين، كأن يفضل أحدهما باعتبار جنسه، والآخر باعتبار مكانه، أو يفضل أحدهما باعتبار المتابعة، والآخر باعتبار المداومة، فلابد والحالة هذه من الترجيح، للأخذ بالأفضل وتقديمه على المفضول المرجوح.
والموازنة بين أسباب تفاضل الأعمال والترجيح بينها، من أدق المسائل وأصعبها، وهي تحتاج للنظر في شعب كثيرة، ومسائل متنوعة، مع إلمام واسع بمقاصد الشرع، وأصول الدين.
قال الإمام المحقق ابن القيم ﵀:«فعلى المتكلم في هذا الباب، أن يعرف أسباب الفضل أولا، ثم درجاتها، ونسبة بعضها إلى بعض، والموازنة بينها ثانيا، ثم نسبتها إلى من قامت به ثالثا كثرة وقوة، ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعا». (١)