قلت: الكذب والباطل واحد، قال: وما قلت: إنه منكر، قال: هو منكر، كما قلت، وما قلت: إنه صحيح، قال: هو صحيح.
ثم قال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما.
قلت: فعند ذلك علمت أنا لم نجازف، وأنا قلنا بعلم ومعرفة قد أوتيناه، والدليل على صحة ما نقوله أن دينارا نبهرجا يحمل إلى الناقد، فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هو جيد.
فإن قيل له:من أين قلت:إن هذا نبهرج؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قال: لا.
فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهرجه أني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا.
قيل: فمن أين قلت: إن هذا نبهرج؟ قال: علما رزقت، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك.
قلت له: فتحمل فص ياقوت إلى واحد من البصراء من الجوهريين فيقول: هذا زجاج ويقول لمثله: هذا ياقوت، فإن قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج وأن هذا ياقوت؟ هل حضرت الموضع الذي صنع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا، قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغَ هذا زجاجا؟ قال: لا، قال: فمن أين علمت؟ قال: هذا علم رزقت، وكذا نحن رزقنا علما لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب، وهذا حديث منكر إلا بما نعرفه '' اهـ
فهذا العلم الغامض حقيقة لا نستطيع نحن أن ندرك عللاً خفيّة، والإمام الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ فتح الله عليه بعلل خفيّة، والشيخ ابن باز ـ رحمه الله تعالى ـ فتح الله عليه بعلل خفيّة، وغيرهم من المحققين فتح الله عليهم بعلل خفيّة، لكنهم لا بد أن يذكروا سبب العلّة، بينما هؤلاء الأئمة تقف أمام إعلالهم أحياناً بلا أي دليل وما علينا إلا أن نأخذ بقولهم ما لم يتخالفوا.