فمثلاً يقول: فلان لم يفعل بهذا الإسناد شيئاً مع أنه رواه، لأنه يعرف تاريخ هذا الراوي، فشيخه في بلد معيّن وهو لم يره ولم يلتق به أبداً، فيعرف هذا من خلال تعاصره أما نحن فلا يمكن أن نعرف هذا.
إذاً العلل الغامضة لا يمكن أن تستنبط إلا من خلال هؤلاء، وهي التي لا يمكن أن نعرف أسبابها، لكن نحن عندما نُعلّ بعلل غامضة وقادحة لا نستنتجها إلا مع البحث، فلا بد أن نذكر أسباب التضعيف، فقد تكون ظاهرة للناس فقد يقبلون تضعيفي وقد لا يقبلونه، ولهذا نقل عن ابن مهدي وابن معين وجماعة ـ رحمهم الله تعالى ـ يقولون: لا نستطيع أن نحكم على الحديث حتى نعرفه من عشرين وجهاً أو من ثلاثين وجهاً.
ولهذا قال عبد الرحمن ابن أبي حاتم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه " مقدمة الجرح والتعديل ": سمعت أبي يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي، من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه علي، فقلت في بعضه: هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وهذا باطل، وهذا منكر، وسائر ذلك صحاح، فقال: من أين علمت أن ذاك خطأ، وذاك باطل، وذاك كذب؟ أأخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت، أو بأني كذبت في حديث كذا؟ قلت: لا، ما أدري هذا الجزء من راوية من هو؟ غير أني أعلم أن هذا الحديث خطأ، وأن هذا الحديث باطل، فقال: تدعي الغيب؟ قلت: ما هذا ادعاء الغيب.
قال: فما الدليل على ما قلت؟ قلت: سل عما قلت، من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم.
قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب.
قال: فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلي، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فقال: ما قلت إنه كذب، قال أبو زرعة: هو باطل.