قال: لا قال لخصمه: أتحلف؟ قال: نعم. فحلَّفه، فحلفَ فزاد في آخر اليمين أنه ما يستحق تمليك هذه الشفعة، على قول من يعتقد شعفة الجوار، فامتنع. فقال له بكار: قُم فأعطه شفعته. قال فأخبر الرجل المزني بقضِيَّته، فقال له: صادفتَ قاضيها فقيهاً.
وقال الطحاوي: لما قَبض أحمد بن طولون يدَ بكارٍ عن الحكم وسجنه، أمره أن يسلم القضاء لمحمد بن شَاذانَ الجوهري كالخليفة له ففعل. ثم كان بكار إذا حضر مجلسَ المظالِم للمناظَرة يُعَادُ إلى السجن إذا انقضى المجلس. وكان يغتسل في كل يوم جمعة، ويلبس ثيابه، ويجئ باب السجن، فيرده السّجّان ويقول: اعذرني أيها القاضي، فما أقدر على إخراجك، فيقول: الله أشهد، فبلغ ذلك أحمد، فأرسل إليه: كيف رأيت المغلوب المقهور لا أمر له ولا نهي، ولا تصرُّفَ في نفسه. لا تزال هكذا حتى يرد عليّ كتاب المعتمد بإطلاقك.
ولما طالب حبس بكار طلب أصحاب الحديث إلى أحمد بن طولون أن بأذن لهم في السماع منه، فأذن لهم، فكان يحدثهم من طاق في السجن، فأكثر من سمع منه في آخر عمره، كان كذلك.
وقال ابن زولاق: ثم أمر ابن طولون بنقل بكار من السجد إلى دار اكتريت عند درب المصقلي فأقام بها مدة. فلما مات أحمد بن طولون
بلغ بكاراً فقال: ما للناس؟ قيل انصرف أيها القاضي إلى منزلك فقد مات أحمد فقال: الدار بأجرة وقد صلحت لي. وعاش بعد ابن طولون أربعين يوماً ومات في تلك الدار. فحضرت جنازته فما رأيت كبير أحد، فقلت ليحيى بن عثمان بن صالح. يموت مثل هذا الرجل وتكون هكذا جنازته! فما صليت العصر حتى ما فقدت أحداً، ولم أر فيها أحداً راكباً. وصلى عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة، ودفن بطريق القرافة، والدعاء عند قبره مستجاب. ومات يوم الخميس لخمس بقين من ذي الحجة سنة سبعين ومائتين وقد قارب التسعين. وكانت مدة ولايته أربعاً وعشرين سنة وستة أشهر وستة وعشرين يوماً.
بكران هو لقب، واسمه عتيق بن الحسن، يأتي في حرف العين.