ابن يونس: كان فقيهاً أخذ الفقه عن ابن وهب وابن القاسم، وثقة أيضاً الحاكم، ومسلمة بن قاسم. وقال الخطيب: كان فقيهاً على مذهب مالك، وكان ثقة فِي الحديث ثبتا، حُمل في أيام المأمون في محنة القرآن إلى العراق، فلم يجب. فسجت إلى أن ولي المتوكل وأطلقه. وحدث ببغداد ورجع إلى مصر وولى القضاء من قبل المتوكل في سنة سبع وثلاثين، وجلس للحكم كذا. قال الخطيب: إنه حمل في محنة القرآن.
والذي حكاه غيره أن حُمل بسبب غيره قال: لما قدم المأمون مصر تلقاه الناس بالفَرَما، يرفعون على عُمّال أهل مصر. فدس الفضل بن مروان وهو يومئذ وزير المأمون قوما يثنون عليهم ليقع التعارض. جلس الفضل بن مروان في الجامع، وحضر مجلسه يحيى بن أكثم القاضي، وأحمد بن أبي دواد، وإسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد، هو يومئذ على المظالم بمصر. وطلب الحارث ابن مسكين ليوليه القضاء، فحضر. فبينا هو يكلمه إذ قال له المتظلم: سل أصلحك الله الحارث عن ابن أسباط وابن تميم، وكان قد تظلم منهما. فقال الفضل: ليس لهذا أحضرناه. فألح عليه فسأله: ما تقول في هذين الرجلين؟ فقال: ظالمين غاشمين. فقال: ليس لهذا أحضرناك. فاضطرب أهل المسجد.
فقام الفضل فدخل على المأمون فقال: لقد خشيت على نفسي من ثوران الناس مع الحارث. فأرسل المأمون: هل ظلماك في شيء؟ قال لا. قال فعاملتهما؟ قال لا. قال كيف شهدت عليهما؟ فقال: كما أشهد أنك أمير المؤمنين ولم أرك قط إلا الساعة. وكنا أشهد أنك غزوت ولم أحضر غزوك. أقال: اخرج من هذه البلاد فليست بلادك. وبع قليلك وكثيرك، فإنك لا تبقى فيها أبداً. وحبسه في قبة ابن هرثمة في رأس الجبل في خيمة. ثم انحدر المأموه وأحدرمه معه. فلما فتح البلد التي قصدها، حضر الحارث، فلما دخل عليه سأله عن المسألة بعينها، فأعاد الجواب بعينه ثم قال له: ما تقول في خروجنا هذا؟ فقال: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك أن الرشيد كتب إليه يسأله عن قتال أهل دَهْلَك فقال: إن كان خروجهم عن ظلم من السلطان فلا يحلم قتالهم،