للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحاكم وأعلمه أن هذا يُفضى إلى تعطل أمور الرعية، فأمر بكتابة سِجل بإكرام الشهود وأن لا يتعرض أحد إليه بإذني.

ولم يزل أمر مالك يعلوا إلى أن تسلَّط عليه فقير عُوَيْر، كان يصحب ابن أبي العوَّام، فدسَ إلى الحاكم أن القاضي يركب إلى قصر أخت الحاكم ويخلو بها وكان بلغ الحاكم عنها شيء من هذا لكنه مع غير القاضي، فحقِد على القاضي وظنّ صِصَّة ما قيل.

وكان القاضي يدخل كل يوم دِهليز قصرها ليقرأ عليها فيه بعض خَدَمها، فجاء يوم فقال له الحاكم: من أين جئت؟ قال: من داري. قال: لا بل من قصر إمامتك. فقال: لا أعرف إماما غيرك. فأرجب قلبُه ورجع ثم لم يُظهر له شيئاً، إلى أن خرج يوماً إلى بِركة الجُبّ فتلاحق به الناس ومالك منهم فلما سلَّم على الحاكم أعرضه عنه، فعدل به بعض الأعوان فقتله في يوم السبت سادس عشري ربيع الآخر سنة خمس وأربعمائة.

قال: وفي يوم السبت لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعمائة ضُربت عُنُق مالك بن سعيد الفارقي القاضي، فكانت مدة ولايته ست سنين وتسعة أشهر وأحد عشر يوماً. وكان قد حكم نيابة عن بني النعمان ثلاثة عشر عاماً فأكمل في الحكم عشرين عاماً موالية.

وأدنى الحاكم ولده الكبير وأذِن له أن يركَب في موكِبه وتلطَّف بولده الصغير، ومنع من التعرض لشيء من تَرِكة أبيه.

وكان مالك فصيحاً بليغاً، كثير الحِلم والتأني وقوراً، يقال إنه لم يواجه أحداً قد بما يكرَه، ولا صاح على خصم، ولا انتهر سائلاً، ولا رمى أحداً بسوء ولا قبيح.

وبقيت مصر بعدة بغير قاضٍ ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً، وكان يتوسط بين النسا في هذه المدة يعقوب بن إسحاق، وأبو منصور المحتسب الملقَّب أبا هراة، إلى أن قُرّر أبو العباس أحمد بن أبي العَوَّام.

مالك بن شَرَاحِيل بن عَمرو بن عُذيق بن كُريب بن أسلم بن قيس

<<  <   >  >>