دخل دمياط. وزعم أهل البحر أنهم لم يعهدوا صحواً متمادياً في كانون الثاني، وما بعده مدة أربعين يوماً، إلا في تلك الأيام. وسار في البر من دمياط إلى ظاهر قليوب. فأمر المستنصر العسكر بتلقيه فتلقوه. فدخل في جمادى الأولى سنة ست وستين وأربعمائة. فقربه وبالغ في إكرامه. ولم يكن أحد منهم علم باستدعائه إياه، وإنما ظنوا أنه قدم زائراً، فبالغوا في إكرامه وضايفته. فلما عرف بدر أنه استوفى ضيافة الجميع، دعاهم إلى دعوى صنعها لهم فلم يتخلف عنه منهم أحد. فقرر مع جماعته أن يوكل كل واحد منهم بأمير من تلك الأمراء، يُظهر أنه قائم على رأسه لخدمته، وجعل الأمارة معهم أنه إذا تكامل أكلهم، ورفع السماط، وخرج
هو إلى قضاء حاجته في المسترفق، أن كل من يتوجه إلى قضاء حاجته فيا لمسترفق يتوجه بمن هو موكَّل به معه. فإذا دخل الخلاء قتله، ويتوجه الذي يليه بعده كذلك. فقتلوا الجميع في تلك اللحظة من غير أن يشعر الثاني بما جرى للأول. فلما تم له الأمر، قرَّر في إمرة كل أمير من كان موكلا به، حتى في داره وجواريه وماله. ثم صبّح المستنصر، فاخبره، فقرره في وزارته، وفوض إليه الأمور كلها، وعاهده على ذلك. وجعل إليه أمر القضاة والدعاة، ولقبه السيد الأجل أمير الجيوش كافِلَ قضاة المسلمين، هادى دعاة أمير المؤمنين، وصار هو الذي يولي القاضي والداعي فيكون كل منهما نائباً عنه. وكان فيما تضمنه تقليده:(وقد قلدك أمير المؤمنين جوامع تدبيره. وناط بك النظر في كل ما ولى لسريره) .
وكانت خلعته نظير خلع القضاة بالطرحة. وكانت إذ ذاك تسمى الطيلسان المقوّر مع اللثام والذؤابة التي تسمى الآن العذبة، وكان إذ ذاك يسمى الحنك وفي طوقه العقد المنظم بالجوهر. فشرع في تدبير الأمور، واستبد بها، وتجرد أولاً لقمع المفسدين إلى أن أبادهم، وأنشأ دولة جديدة، واستعاد البلاد التي غلب عليها الولاة والقضاة، وهي عسقلان وصور وطرابلس. وأنشأ داره بحارة برجوان، وتعرف بدار المظفر. واستدعى بجمع كثير من الأرمن، فاتخذهم جنده