سبحانه يستحقه لذاته وهو سبحانه المحبوب لذاته الذي لا تصلح العبادة والمحبة والذل والخضوع والتألّه إلا له فهو يستحق ذلك لأنه أهل أن يُعبد ولو لم يخلق جنة ولا ناراً ولو لم يضع ثواباً ولا عقاباً كما جاء في بعض الآثار:(لو لم أخلق جنة ولا ناراً أما كنت أهلاً أن أعبد) فهو سبحانه يستحق غاية الحب والطاعة والثناء والمجد والتعظيم لذاته ولما له من أوصاف الكمال ونعوت الجلال، وحبه الرضى به وعنه والذل له والخضوع والتعبد هو غاية سعادة النفس وكمالها، والنفس إذا فقدت ذلك كانت بمنزلة الجسد الذي فقد روحه وحياته والعين التي فقدت ضوءها ونورها بل أسوأ حالاً من ذلك من وجهين:
أحدهما: أن غاية الجسد إذا فقد روحه أن يصير معطلاً ميتاً وكذلك العين تصير معطلة.
وأما النفس إذا فقدت كمالها المذكور فإنها تبقى معذبة متألمة وكلما اشتد حجابها اشتد عذابها وألمها، وشاهدِ هذا ما يجده المحب الصادق المحبة من العذاب والألم عند احتجاب محبوبة عنه ولا سيما إذا يئس من قربه وحظي غيره بحبه وَوَصْله، هذا مع إمكان التعوّض عنه بمحبوب آخر نظيره أو خير منه فكيف بروح فقدت محبوبها الحق الذي لم تخلق إلا لمحبته ولا كمال لها ولا صلاح أصلاً إلا بأن يكون أحب إليها من كل ما سواه وهو محبوبها الذي لا تعوّض منه سواه بوجه كما قال القائل: