وهدد عمر بالضرب على خلاف يسير، وقال في مسألة الغسل؛ هل يجب من الإنزال أم من مجرد التقاء الختانين: اسألوا عائشة، فلما ذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:[إذا التقى الختانان؛ فقد وجب الغسل] . قال عمر: لو سمعت أن أحكم أفتى بغير ذلك؛ لجعلته نكالاً!!
ولما كان الاجتماع على رأي واحد في كل المسائل الفرعية العملية متعذراً؛ فإن الله سبحانه وتعالى أمر برد الاختلاف إلى كتابه وسنة رسوله، وقد أمر أيضاً بأن يعذر بعضنا فيما لم نستطع التوصل فيه إلى رأي واحد.
وكان هذا هو منهج الصدر الأول من سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم؛ يختلفون أحياناً، ولكن يعذر بعضهم بعضاً، ولا يتعصبون لأقوالهم، ويردون ما اختلفوا فيه إلى الله ورسوله.
وكان هذا أيضاً شأن أئمة الإسلام الأعلام وفقهاء الإسلام في جميع الأقطار -ومن هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم-: يفتون ولا يتعصبون، ويدعون تلاميذهم إلى نبذ التعصب لأقوالهم إذا خالفت الدليل، ولذلك استمرت وحدة الأمة التشريعية الفقهية زماناً طويلاً.