ولكن نشأ في المسلمين من حرم الاجتهاد والرجوع إلى الكتاب والسنة، وحرم استخدام الدليل؛ زاعماً أن فهم الدليل والحجة قد ولى، وحرم على الناس العمل إلا بأقوال الأئمة الأربعة، وانتشرت هذه البدعة المقيتة في زمان ضعف الأمة، بزوال ملك العباسيين، وغلبة ملوك من العجم والمماليك الذين لا يحسنون العربية ولا يفقهون في الدين، فنشأ التقليد والتعصب، والتف المقلدون المتأكلون بالدين حول أولئك السلاطين الجهلة، وأغروهم بحرب أهل السنة ودعاة السلفية الداعين إلى الاجتهاد ونبذ التقليد والتعصب، فأصاب أهل الدعوة السلفية من هؤلاء شر مستطير، وذلك لأن هؤلاء المقلدين الملتفين حول سلاطين السوء أغروا عامة الناس بأن من يطلب الدليل والحجة ويأمر بالاجتهاد؛ فإنه يرفض علم الأئمة الأربعة، ويمقتهم، ويزدريهم، ولما كان عامة الناس يحبون الأئمة ويحترمونهم ولا يستطيعون أن يميزوا بين دعوة التقليد وبين الدعوة إلى الاجتهاد والأخذ بالدليل؛ فإن هؤلاء العامة ركبهم أولئك السفهاء، ووجدت الدعوة السلفية العظيمة من هذا البلاء: بلاء السلاطين الأعاجم الجهلاء، وبلاء علماء السوء المتأكلين بالدين الموالين الطواغيت، وبلاء العامة الذين لا يميزون ولا يعرفون معنى التقليد ومعنى الاجتهاد.
وظل الأمر هكذا حتى تهدمت الخلافة العثمانية، وغلب الفرنجة من أهل أوروبا على أرض الإسلام، ووجد المسلمون أنفسهم في مؤخرة الأمم، فصرخوا يريدون العودة إلى الكتاب والسنة.