وبالرغم من هذه الصحوة وهذا التنادي من كل مكان بوجوب تنظيم معاملاتنا وفق الكتاب والسنة؛ فإن هناك من لا يزال يعيش بعقلية التقليد والجمود، ويأبى إلا أن يظل المسلمون في فوضى تشريعية، ويزعم أن كل قول في الدين جوز الأخذ به، ومن يزعم أن الاجتهاد باطل، وأن الدين محصور فيما دونه الأئمة الأربعة فقط، ومن يتهم الدعاة السلفيين بمعاداة الأئمة، بل ومن يوجب على المسلمين أن يتبع كل منهم إماماً من الأئمة الأربعة، وأن من أخذ بالدليل ورجع إلى الكتاب والسنة؛ فهو مبطل مبتدع.
أقول: ما زال في المسلمين من يعتقد هذا ويدعو الناس إلى ذلك.
ومعلوم يقيناً أن لكل إمام الرأي والرأيان المختلفان في المسألة الواحدة؛ كما نقول: قال الشافعي في القديم وقال في الجديد، بل والثلاثة والأربعة، وأن كثيراً من المسائل الفقهية العملية فيها اختلاف واضح، ومعلوم أن القوانين العملية يجب أن تكون واحدة، وإذا كان هناك اختلاف بين الفقهاء في هذه المسائل؛ فكيف تضمن الوحدة التشريعية؟!
إن قلنا: نختار قول إمام واحد؛ كان هذا من التعصب، وليس هذا الإمام الواحد معصوماً حتى نأخذ جميع أقواله في جميع معاملاتنا.
وإن قلنا بجميع الأقوال؛ كان هذا تناقضاً واختلافاً؛ فكيف يحكم القاضي فيمن تزوجت دون إذن وليها؟! فبعض المذاهب يجيز ذلك، ويرى العقد مع هذا صحيحا، وآخرون يرون العقد مع عدم إذن الولي باطلاً يجب فسخ الزواج؛ سواء قبل الدخول أو بعده؛ فما العمل؟!
وإن قلنا: نرجح بين الأقوال؛ فكيف نرجح؟!
إن كان بالهوى والتحكم؛ فليس الهوى من الدين.
وإن كان الترجيح بالدليل والحجة؛ فهذه هي السلفية، وهو الحق: الترجيح بين أقوال الأئمة المتعارضة، وأخذ أقربها إلى الحق في نظرنا، والبحث عن الدليل دائماً، وهذا هو الميزان الضابط لوحدة الأمة في أمورها التشريعية.