له على استعمال آلة وأداة، إلا أنه أقرب الآلات والأدوات إلى هذا الفاعل. ويرى أن يجتهد الإنسان بالطب الجسداني وهو الطب المعروف، والطبِّ الروحاني وهو الإقناع بالحجج والبراهين في تعديل أفعال هذه النفوس لئلا تقصِّر عمّا أُريد بها ولئلا تجاوزه. والتقصير في فعل النفس النباتية أن تغدو ولا تُنمى ولا تُنشئ بالكمية والكيفية المحتاجة إليها جملةُ الجسد. وإفراطها أن تتعدى ذلك وتجاوزه حتى يخصب الجسد فوق ما يحتاج إليه ويغرق في اللذّات والشهوات. وتقصير فعل النفس الغضبية أن لا يكون عندها من الحمية والأنفة والنجدة ما يمكِّنها أن تزمَّ وتقهر النفس الشهوانية في حال اشتهائها حتى تحول دونها ودون شهواتها، وإفراطه أن يكثر فيها الكِبر وحُبّ الغلبة حتى تروم قهر الناس وسائر الحيوان ولا يكون لها همّ إلا الاستعلاء والغلبة كالحالة التي كان عليها الاسكندر الملك. وتقصير فعل النفس الناطقة أن لا يخطر ببالها استغراب هذا العالم واستكباره والفكر فيه والتعجُّب منه والتطلُّع والتشّوُق إلى معرفة جميع ما فيه وخاصةً علم جسدها الذي هي فيه وهيئته وعاقبته بعد موته، فإنّ مَن لم يستكبر ويستغرب هذا العالم ولم يتعجب من هيئته ولم تتطّلع نفسه إلى معرفة جميع ما فيه ولم يهتمّ ويُعْنَ بتعرُّف ما تؤول إليه الحال بعد الموت فنصيبه من النطق نصيب البهائم لا بل الخُفاش والحيتان والخُشار التي لا تتفكّر ولا تتذكر البتة. وإفراطه أن يميل به ويستحوذ عليه الفكرُ في هذه الأشياء ونحوها حتى لا يمكن النفس الشهوانية أن تنال من الغذاء وما به يصلح الجسم من النوم