ومالت إليه شهوته. وأمّا احتجاجهم بكثرة مَن عشق من الأدباء والشعراء والسراة والرؤساء فإنا نقول: إنّ السروَ والرياسة والشعر والفصاحة ليست ممّا لا يوجد أبداً إلاّ مع كمال العقل والحكمة، وإذا كان الأمر كذلك أمكن أن يكون العُشاق من هؤلاء من النقص في عقولهم وحكمتهم. وهؤلاء القوم لجهلهم ورعونتهم يحسبون أنّ العلم والحكمة إنما هو النحو والشعر والفصاحة والبلاغة، ولا يعلمون أنّ الحكماء لا يَعُدّون ولا واحداً من هذه حكمةً ولا الحاذق بها حكيماً، بل الحكم عندهم من عرف شروط البرهان وقوانينه واستدراك وبلغ من العلم الرياضي والطبيعي والعلم الإلهي مقدار ما في وسع الإنسان بلوغُه. ولقد شهدت ذات يوم رجلاً من متحذلقيهم عند بعض مشايخنا بمدينة السلام، وكان لهذا الشيخ مع فلسفته حظّ وافر من المعرفة بالنحو واللغة والشعر، وهو يجاريه وينشده ويبذخ ويشمخ في خلال ذلك بأنفه ويُطنب ويبالغ في مدح أهل صناعته ويرذل مَن سواهم، والشيخ في كل ذلك يحتمله معرفةً منه بجهله وعُجبه ويتبسّم إلى أن قال فيما قال: هذا والله العلم وما سواه ريح، فقال له الشيخ يا بنيّ هذا علم مَن لا علم له ويفرح به من لا عقل له. ثم أقبل عليّ وقال سل فتانا هذا عن شيء من مبادئ العلوم الاظطرارية، فإنه ممّن يرى أنّ مَن مهر في اللغة يمكنه الجواب عن جميع ما يُسئل عنه. فقلت خبَّرني عن العلوم أَظطرارية هي أم اصطلاحية؟ ولم أتمم التقسيم على تعمُّد، فبادر فقال العلوم كلها اصطلاحيه. وذلك أنه كان سمع أصحابنا يعيرون هذه العصابة أنّ علمهم