بلوغ شئ كان يقدَر عليه ولا استعان به على شئٍ من أمره. وإذا كان ذلك كذلك فما هو -أعني المحسود - إلاّ بمنزلة سائر من نال خيراً وبلغ أمنيته من الناس الغائبين عن الحاسد. فكيف لا يحسد من بالهند والصين؟ فإن كان لا يحسدهم من اجل غيبتهم عنه فليتصوّرهم بأحوالهم وما ينقلبون فيه من نعيمهم. فإن كان حُمقاً أو جنوناً أن يحزن لما نال هؤلاء وبلغوا من أمانيهم فإن حُمقاً مثله الحُزنُ والاغتمام لما نال من بحضرته إذ كانوا بمنزلة الغُيَّب عنه في أنهم لم يسلبوه شيئاً مما في يديه ولا منعوه بلوغ شئ كان يقدر عليه ولا استعانوا على أمر من أمورهم به. وليس بينهم وبين الغُيّب عنه فرق إلا في مشاهدة الحاسد أحوالهم التي يمكن تصوُّر مثلها من الغُيّب عنه ويعلم ويستيقن أنهم منها في مثل ما هم فيه.
وقد يغلط بعض الناس في حد الحسد حتى إنهم يَسِمون بالحسد قوماً إنما يكرهون الخير لمَن عليهم منهم في إصابتهم ذلك بعض المضار والمؤن. وليس ينبغي أن يسمَّى ولا واحدٌ من هؤلاء حاسداً، بل ينبغي أن يسمى الحاسد مطلقاً من اغتم من خير يناله غيره من حيث لا مضرّة عليه منه البتّة، ويسمى بليغ الحسد من اغتم من خيرٍ يناله غيره وإن كان له في ذلك نفع ما. فأما إذا جاءت المؤن والمضار فإنها تحدث في النفس عداوةً بمقدارها لا حسداً. ومثل هذا من