للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحاسد لا يكاد يكون إلا بين الأقرباء والمعاشرين والمعارف. فإنا نرى الرجل الغريب يملك أهل بلدٍ ما ولا يكادون يجدون في أنفسهم كراهةً لذلك، ثم يملكهم رجل من بلدهم فلا يكاد أن يتخلص ولا واحد منهم من كراهيته لذلك، هذا على أنه ربما كان هذا الرجل المالك - أعني البلديّ- أرأف بهم وأنظر إليهم من المالك الغريب. وإنما يؤُتَى الناسُ في هذا الباب من فرط محبتهم لأنفسهم، وذلك أن كل واحد منهم من أجل حُبه لنفسه يحب أن يكون سابقاً إلى المراتب المرغوب فيها غير مسبوق إليها فإذا هم رأوا من كان بالأمس معهم اليوم سابقاً لهم مقدَّماً عليهم اغتموا لذلك وصعب واشتدّ عليهم سَبقُه إيّاهم إليها، ولم يُرضِهم منه تعطُّفُه عليهم ولا إحسانه إليهم، لأن أنفسهم متعلِّقة بالغاية مما صار إليه هذا السابق لا غير لا يرضيهم سواه ولا يستريحون دونه. وأما المالك الغريب فمن أجل أنهم لم يشاهدوا حالته الأولى لا يتصورون كمالَ سَبِقه لهم وفضله عليهم فيكون ذلك أقلَّ لغمِّهم وأسفهم. وقد ينبغي أن يُرجع في مثل هذا إلى العقل ويُتَأمَّل في هذا الأمر ما أقول.

أقول: إنه ليس لَحَنقِِ الحاسد وغيظه وبُغضه لهذا الرجل القريب السابق له وجهٌ في العدل بتةً، وذلك أنه لم يمنع المسبوقَ من المبادرة إلى المطلوب وإن حصّله وحَظِيَ به دونه. وليس الحظُّ الذي ناله هذا السابقُ شيئاً كان الحاسدُ أحقَّ به أو أحوجَ إليه، فلا يُبغضْه إذا ولا يحنقْ عليه بل ليحنق على جَدَّه أو على

<<  <   >  >>