للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالشخصية، بل كلها زائل داثر مستحيل فاسد مضمحل، فلا ينبغي أن يَستكثر ويَستظعم ويستفظع ما سُلب منه وفُجع به منها، بل يجب عليه أن يَعُدَّ مُدَّةَ بقائها له فضلاً، وما استمتع به من ذلك رِبحاً، إذ كان فناؤها وزوالها كائناً لا محالة، ولا يَعظم ويَكبر ذلك عليه وقتَ كونه إذ كان شيئاً لا بد أن يَعرض فيها. فإنه متى أحبَّ دوام بقائها فقد رام ما لا يمكن وجودهُ لها، ومن أحب ما لا يمكن وجوده كان جالباً بذلك الغمَّ إلى نفسه ومائلاً عن عقله إلى هواه وأيضاً فإن فقد الأشياء التي ليست بأضطرازية في بقاء الحياة ليس يدوم له الغمُّ بها والحزنُ عليها، لكن يسرع منها البديل وعنها النائب ويُعقب ذلك السلوةَ عنها والنسيان لها، فترجع العيشةُ وتعود الحالةُ إلى ما كانت عليه قبل المُصيبة فكم رأينا ممن أُصيب بعظيم المصائب وفادحها راجعاً إلى ما لم يزل عليه قبل مُصابه ملتذاً بعيشه مغتبطاً بحاله. فلذلك ينبغي للعاقل أن يذكِّر النفس في حال المُصيبة بما تَؤُول وترجع إليه من هذه الحالة ويعرضه عليها ويشوِّقها إليه ويجتلب ما يَشغل ويُلهي أكثر ما يمكن لُسرع الخروج منها إلى هذه الحالة وأيضاً فإن تذكُّرَه كثرةَ المشاركين له في المصائب وأنه لا يكاد يَعْرَى منها أحدٌ وتذكُّرَ حالاتهم بعدُ وأبواب سلوتهم وحالاته وسلوا ته نفسه عن مصائب إن كانت تقدَّمت له مما يخفِّف ويسكن من عادية الغم. وأيضاً فإنه إن كان أكثرُ الناس وأشدُّهم غمّاً من كانت محبوباته أكثر عدداً وكان لها أشدَّ حُباً

<<  <   >  >>