صحة العزم على تركمهما والاستيحاء والأنف منهما، ثم أخذ النفس بتذكر ذلك في أوقات العبث والولع، حتى يكون ذلك العبث والولع نفسه عنجه بمنزلة الرتيمة المذكرة. وقد حُكى عن بعض العقلاء من الملوك أنه كان يوَلَعُ ويعبث بشيء من جسده - أحسبه لحيته - فطال ذلك منه وكثر قول مَن يقرب إليه له فيه، فكأن السهو والغفلة يأبيان إلا ردَّة إليه. حتى قال بعض وزرائه ذات يوم يا أيها الملك جرِّد لهذا الأمر عزمةً من عزمات أولي العقل. فأحمر الملك واستشاط غضبا، ثم لم ير عائدا إلى شئ من ذلك البتة. فهذا الرجل أثارت نفسه الناطقة نفسه الغضبية بالحمية والأنف وصح العزم وتأكد في النفس الناطقة حتى أثر فيها أثرا قويا صار مذكرا به ومنبها له عليه متى غفل عنه. ولعمري إن النفس الغضبية إنما جعلت لتستعين بها الناطقة على الشهوانية متى كانت شديدة النزاع قوية المجاذبة عسرة الانقياد. وإنه يحق على العاقل أن يغضب ويدخله الأنف والحمية متى رأى الشهوة تروم قهره وغلبته على رأيه وعقله، حتى يذلها ويقمعها ويقفها على الكرة والصغار عند حكم العقل ويجبرها