عليه. وإنه من العجب - بل مما لا يمكن بتّةً - أن يكون من يقدر على وم نفسه عن الشهوات مع ما لها من الدواعي والبواعث القوية يعسر عليه منعها من الولع والعبث وليس فيهما كبير شهوة ولا لذة. وأكثر ما يحتاج إليه في هذا الأمر التذكر والتيقظ لأنه إنما يكون في أكثر الأحوال مع السهو والغفلة فأما المذهب فإنه مما يحتاج فيه إلى كلام يبين به أنه عرض هوائي لا عقلي، وسنقول في ذلك قولا وجيزا مختصرا. أقول: إن النظافة والطهارة إنما ينبغي أن تعتبر بالحواس لا بالقياس ويجري الأمر فيهما بحسب ما يبلغه الإحساس لا بحسب ما يبلغه الوهم. فما فات الحواس أن تدرك منه نجاسة سميناه طاهرا، وما فاتها أن تدرك منه قذرا سميناه نظيفا. ومن أجل أنا نقصد هذين ونريدهما - أعني الطهارة والنظافة - إما للدين وإما للتقذر، وليس يضرنا ولا في واحد من هذين المعنيين ما فاته الحواس قلة من الشيء النجس والشيء القذر - وذلك أن الدين قد أطلق الصلاة في الثوب الواحد الذي قد ماسته أرجل الذبان الواقعة على الدم والعذرة. والتطهر بالماء الجاري ولو علمنا أنه مما يبال فيه، وبالراكد في البركة العظيمة ولو علمنا أن فيه قطرة من دم أو خمر - وليس يضرنا ذلك في التقذر - وذلك أن ما فات حواسنا لم نشعر به، وما لم نشعر به لم يخش أنفسنا منه، وما لم تخش أنفسنا منه فليس لتقذرنا معنى البتة - فليس يضرنا إذا الشيء النجس والقذر إذا كان مستغرقا فائتا لقلته، ولا ينبغي أن نفكر فيه ولا يخطر وجوده لنا على بال. وإن نحن ذهبنا نطلب الطهارة والنظافة على التحقيق والتدقيق وجعلناه وهميا لا حسيا لم نجد سبيلا أبدا إلى شئ طاهر ولا شئ نظيف على هذا الحكم. وذلك أن الأمواه التي نستعملها ليس بمأمون عليها