الكثير على الواحد منها كما نرى ذلك في الإنسان. فإن الرجل الواحد منا طاعم كاس مستكن آمن، وإنما يزاول من هذه الأمور واحدا فقط لأنه إن كان حراثا لم يمكنه أن يكون بناء، وإن كان بناء لم يمكنه أن يكون حواكا، وإن كان حواكا لم يمكنه أن يكون محاربا. وبالجملة إنك لو توهمت إنسانا واحدا مفردا في فلاة لعلك لم تكن تتوهمه عائشا، ولو توهمته عائشا لم تكن تتوهم عيشه عيشا حسنا هنيئا، كعيش من قد وفر عليه كل حوائجه وكفى ما يحتاج أن يسعى فيه. بل عيشا وحشيا بهيميا سمجا، لما فقد من التعاون والتعاضد المؤدي إلى حسن العيش وطيبه وراحته. وذلك أنه لما اجتمع ناس كثير متعاونون متعاضدون اقتسموا وجوه المساعي العائدة على جميعهم، فسعى كل واحد منهم في واحد منها حتى حصلها وأكملها، فصار لذلك كل واحد منهم خادما ومخدوما وساعيا لغيره ومسعيا له. فطاب للكل بذلك المعيشة وتم على الكل بذلك النعمة وإن كان في ذلك بينهم بون بعيد وتفاضل كثير، غير أنه ليس من أحد إلا مخدوم مسعى له مكفى كل حوائجه وإذ قد قدمنا ما رأينا تقديمه في هذا الباب واجبا فإنا راجعون إلى غرضنا المقصود هاهنا. فنقول: إنه لما كانت عيشة الناس إنما تتم وتصلح بالتعاون والتعاضد كان واجبا على كل واحد منهم أن يتعلق بباب من أبواب هذه المعاونة ويسعى في الذي أمكنه وقدر عليه منها ويتوقى في ذلك طرفى الإفراط