والتقصير. فإن مع أحدهما - وهو التقصير - الذلة والخساسة والدناءة والمهانة إذ كان يؤدي بالإنسان إلى أن يصير عيالا وكلا على غيره ومع الآخر الكد الذي لا راحة معه والعبودية التي لا انقضاء لها. وذلك أن الرجل متى رام من صاحبه أن ينيله شيئا مما في يديه من غير بدل ولا تعويض فقد أهان نفسه وأحلها محل من أقعدته الزمانة والنقص عن الاكتساب. وأما من لم يجعل للاكتساب حدا يقف عنده ويقتصر عليه فإن خدمته للناس تفضل على خدمتهم له أضعافا كثيرة، ولا يزال من ذلك في رق وعبودية دائمة. وذلك أن من سعى وتعب عمره كله باكتساب ما يفضل من المال عن نفقته ومقدار حاجته وجمعه وكنزه فقد خسر وخدع واستعبد من حيث لا يعلم. وذلك أن الناس جعلوا المال علامة وطابعا يعلم به بعضهم من بعض ما استحق كل واحد منهم بسعيه وكده العائد على الجميع. فإذا اختص أحدهم بجمع الطوابع بكده وجهده ولم يصرفها في الوجوه التي تعود بالراحة عليه من سعى الناس له وكفايتهم إياه كان قد خسر وخدع واستعبد. وذلك أنه أعطى كدا وجهدا ولم يستعض منه كفاية وراحة، ولا استبدل كدا بكد وخدمة بخدمة بل استبدل ما لم يجد ولم ينفع، فحصل جهده وكده وكفايته للناس فاستمتعوا به وفاته من كفاية الناس له وكدهم عليه واستمتاعه بهم دون قدر استحقاقه بكفايته لهم وكده عليهم، فقد خسر وخدع واستعبد كما ذكرنا. فالقصد في الاكتساب إذا هو المقدار الموازي لمقدار الإنفاق وزيادة فضلة تقتنى وتدخر للنوائب والحوادث المانعة من الاكتساب. فإنه يكون حينئذ