وأما الاقتناء فإنا قائلون فيه منذ الآن فنقول: إن الاقتناء والادخار هو أيضا أحد الأسباب الاضطرارية في حسن العيش الكائن عن تقدمة المعرفة العقلية، والأمر في ذلك أظهر وأوضح من أن يحتاج إلى بيانه، حتى إن كثيرا من الحيوان غير الناطق يقتني ويدخر. وأخلق أن يكون لهذه الحيوانات فضل في التصور الفكري على غير المقتنية. وذلك أن سبب الاقتناء والباعث عليه تصور الحالة التي يفقد فيها المقتني مع قيام الحاجة إليه. فقد ينبغي أن يعتدل فيه على ما ذكرناه عند كلامنا في كمية الاكتساب. لأن التقصير فيه يؤدي إلى عدمه مع الحاجة إليه كالحالة فيمن ينقطع به الزاد في فلاة من الأرض، والإفراط يؤدي إلى ما ذكرنا أنه يؤدى إليه من دوام الكد والتعب، والاعتدال في الاقتناء هو أن يكون الإنسان مستظهرا من المقتنيات بمقدار ما يقيم به حالته التي لم يزل عليها متى حدثت عليه حادثة مانعة من الاكتساب. فأما من كان غرضه في الاقتناء التنقل به عن الحالة التي هو عليها إلى ما هو أعلى وأجل منها ولم يجعل لذلك حدا يقتصر عليه ويقف عنده فإنه لا يزال في كد ورق دائم، ويعدم أيضا مع ذلك في أية حال - من أية حال تنقل إليها - الاستمتاع والغبطة بها إذ لا يزال مكدودا فيها غير راض بها عاملا في التنقل منها إلى غيرها، متطلعا متشوقا إلى التعلق بما هو أجل وأعلى منها، على ما ذكرناه في باب الحسد ونذكره الآن بتفسير وشرح أوضح وأكثر في الفصل الذي يتلو هذا. وخير