المقتنيات وأبقاها وأحمدها وآمنها عاقبة الصناعات لا سيما الطبيعية الاضطرارية التي الحاجة إليها دائمة قائمة في جميع البلدان وعند جميع الأمم. فإن الأملاك والأعلاق والذخائر غير مأمون عليها حوادث الدهر. ولذلك لم تعد الفلاسفة أحدا غنيا إلا بالصناعات دون الأملاك. وقد حكى عن بعضهم أنه كسر به في البحر فهلك جميع ماله، وأنه لما أفضى إلى الشط أبصر في الأرض رسم شكل هندسي، فطابت نفسه وعلم أنه قد وقع إلى جزيرة فيها قوم علماء. ثم إنه رزق فيهم الثروة والرياسة فأقام عندهم. فمرت به مراكب تريد بلده فسألوه هل عنده رسالة يحملونها عنه إلى أهل بلده. فقال لهم إذا صرتم إليهم فقولوا لهم اقتنوا وادخروا ما لا يغرق وأما كمية الإنفاق فإنا قد ذكرنا قبيل أن مقدار الاكتساب ينبغي أن يكون موازيا لمقدار الإنفاق والفضلة المقتناة المدخرة للنوائب والحوادث، فمقدار الإنفاق ينبغي إذا أن يكون أقل من مقدار الاكتساب. غير أنه لا ينبغي للمرء أن يحمله الميل إلى الاقتناء على التقتير والتضيُّق، ولا حب الشهوات وإيثارها على ترك الاقتناء البتة، بل يعتدل فيها كل واحد بمقدار كسبه وعادته التي جرت في الإنفاق ونشأ عليها وحاله ورتبته وما يجب أن يكون لمثله من القنية والذخيرة.