فإذا نقض عليه رجع إلى اللجلجة والتعلق بما لا معنى تحته واشتد ذلك عليه وغضب منه وأبلغ إليه ثم ينقطع ويثوب بعد ذلك. فهذه الجمل كافية في هذا الموضع من التحفظ من الهوى والمرور معه من غير علم به
وإذ قد بينا في الترقِّي إلى الرتب العالية من الجهد والخطر واطراح النفس فيما تغتبط ولا تُسر به إلا قليلاً، ثم تكون عليها منه أعظم المؤن والشدائد مما كان موضوعاً عنها في الحالة الأولى ولا يمكنها الإقلاع والرجوع عنه، فقد بان أن أصلح الحالات حالة الكفاف والتناول لذلك من أسهل ما يمكن من الوجوه وأسلمها عاقبةً، ووجب علينا أن نؤثر هذه الحالة ونقيم عليها إن كنا نريد أن نكون ممن سعد بعقله وتوقى به الآفات الرابصة الكامنة في عواقب اتباع الهوى وإيثاره ويكمل لنا الانتفاع بالفضل الإنسي، وهو النطق الذي قد فضلنا به على البهائم. فإن نحن لم نقدر ولم نملك الهوى هذه الملكة التامة التي نطرح معها عنا كل فاضل عن الكفاف فلا أقل من أن يقتصر مَن كان معه منا فضلٌ عن الكفاف على حالته المعتادة المألوفة ولا يكد نفسه ويجهدها ويخاطر بها في التنقل عنها. فإن اتفق لنا التمكن من حالة جليلة من غير جهدٍ للنفس ولا غرر بها فإن الأصلح والأولى ترك الانتقال إليها، لأنا لا نعدم منها الآفات التي عددناها العارضة لنا عن بلوغ الرتبة التي قصدناها بعد نيلها وبلوغها. فإن انتقلنا إليها فينبغي أن لا نغير شيئاً مما به قوام أجسادنا من المآكل