فإنه إن كان الأصل الذي وضعناه من أنه لا ينبغي للعاقل أن ينقاد للذة يخشى معها ألما يرجح على الألم الذي يصل إليه من مكابدة ترك اللذة وقمع الشهوة صحيحا حقا في نفسه أو مصدرا عليه فقد وجب منه وتبعه أنا لو قدرنا في حالة على أن نملك الأرض كلها مدة عمرنا بارتكاب من الناس ما لا يرضاه الله مما كان به منعنا من الوصول إلى الخيرة الدائمة والنعيم المقيم لم يكن ينبغي لنا أن نفعل ذلك ولا نؤثره. ولو استحققنا أيضا أو كان الاستحقاق غالبا في أنا إن أكلنا في المثل طبقا من رُطَبٍ رَمِدنا عشرة أيام لم ينبغ أن نؤثر أكله. وكذلك الحال فيما بين هذين المثالين اللذين ذكرناهما - على عِظَم أحدهما وصِغَر الآخر بإضافة - من الأمور الجزئية التي كل واحد منها صغير بالإضافة إلى الأعظم كبير بالإضافة إلى الأصغر، مما لا يمكن القول أن يأتي عليه لِكثرة ما تحت هذه الجملة الكلية من الأمور المفردات الجزئية وإذ بان في هذا الموضع ما أردنا بيانه فلنقصد إلى بيان غرض آخر من أغراضنا تال لهذا الغرض
فنقول: إنه لما كان الأصل الذي وضعناه من أن ربنا ومالكنا مشفق علينا ناظر لنا رحيم بنا تبع ذلك أيضا أنه يكره أن يقع بنا ألم، وأن جميع ما يقع بنا منه مما ليس من اكتسابنا واختياراتنا بل مما في الطبيعة فلأمر ضروري لم يكن بد من وقوعه. ووجب من ذلك أنه لا ينبغي أن نؤلم مُحِسْا بتّةً من غير استحقاق منه لذلك الإيلام أو لغير صرفنا عنه بذلك الألم ما هو أشد منه.