وتحت هذه الجملة أيضا تفصيل كثير يدخل فيها المظالم جميعا، وما يتلذّذ به الملوك من الصيد للحيوان ويفرط فيه الناس من الكد للبهائم في استعمالها. فوجب أن يكون ذلك كله على قصد وسنن وطريق ومذهب عقلي عدلي لا يتعدى ولا يجار عنه. فيوقع الألم حيث يرجى به دفع ما هو أعظم منه، نحو بطّ الجراح وكَيِّ العضو العفن وشرب الدواء المر البشع وترك الطعام اللذيذ خشية الأمراض العظيمة الأليمة. وتكد البهائم كد قصد لا عنف فيه إلا في المواضع التي تدعو الضرورة فيها إلى الأعنف ويوجب العقل والعدل ذلك كحث الفرس عند طلب النجاة من العدو، فإنه يجب في العدل حينئذ أن يحث ويتلف في ذلك إذا رُجي به خلاص الإنسان، ولا سيما إذا كان عالما خيرا أو له غناء عظيم في وجه من الوجوه العائد صلاحها على جملة الناس، إذ كان غناء مثل هذا الرجل وبقاؤه في العالم أصلح لأهله من بقاء ذلك الفرس. أو كرجلين وقعا في برية لا ماء فيها ومع أحدهما من الماء ما يمكن أن يخلص به نفسه دون صاحبه، فإنه ينبغي في تلك الحالة أن يؤثر بالماء أعْوَدُ الرجلين على الناس بالصلاح. فهذا هو القياس في أمثال هذه الأمور وأشباهها وأما الصيد والطرد والإبادة والإهلاك فينبغي أن يكون للحيوان الذي لا يعيش كمال العيش إلا بالحم كالأُسُد والنمور والذئاب وما أشبهها، والتي يعظم أذاها ولا مطمع في استصلاحها ولا حاجة في استعمالها مثل الحيات والعقارب ونحوها. فهذا هو القياس في أمثال هذه الأمور. وإنما جاز أن تُتلَف هذه الحيوانات من جهتين: إحداهما أنها متى لم تُتلَف أتلفت حيواناتٍ كثيرة،