فبعدنا أغذّ السير وامتدّ طلقه، غلبه البهر فتصبب عرقه، فخر هنالك لقى، فعند ذلك نام الروض فغنّى وسقى، فتنفست الأرض عن نكهة العروس، وتبرجت في حلية الطاووس:
وكأنّ صوت الرعد خلف سحابه ... حاد إذا ونت السحائب صاحا
مرتجة الأرجاء يحبس سيرها ... ثقل فتعطيه الرياح سراحا
أخفى مسالكها الظلام فأثبتت ... من برقها كي تهتدي مصباحا
جادت على التلعات فاكتست الربا ... حللاً أقام لها الربيع وشاحا
فساعة خمد البرق، وانقشع ذلك الودق، واعتزمنا على الرحيل، والتحول في برد الأصيل، فبصرنا بمطوّقة قد أفردها الدهر عن إلفها، واستاقها الحَيْن الى حتفها، تصرف من الياقوت طرفاً، وتقلب من المرجان كفّاً، كأنّ الزبرجد نظم عقدها، والفيروزج نمنم بردها، فبينا هي في سرحها تلتقط بفرخي جلم، وتَسْرُطُ بفِلْقَيْ قلم:
أهوى لها أسفع الخدّين مُطّرِقُ ... ريش القوادم لم يُنصَب له شرك
فكأنّما اكتحل بلهب، وانتعل بذهب، ملتفت من شَذْرَهْ، وملتحف في حَبْرَهْ، من رماحه أظفاره، ومن سيوفه منقاره، من اللواتي تنافس الملوك فيها، وتمسكها عجباً بها على أيديها، آية بادية، ونعمة من الله نامية، تبذل لك الجهد سراحا، وتُعيرك في بغيتك جناحا، وتتفق معك على طلب الأرزاق، على اختلاف الخلق والأخلاق، ثم تلوذ بك لواذ من يرجوك، وتفي لك وفاء لا يلزمه لك ابنك ولا أخوك، فلما ارتقت في السماء، اتخذ