إليها سلماً من الهواء، وهي تبعد منه بعد الأمل، وهو يقرب منها قرب الأجل، واختطفها أسرع من اللحظ، ولا محيد لها عنه، وانحدر بها أقرب من اللفظ، فكأنما هي منه، فجعل يتناولها بمثل السبعين، وقد أدخلها في أضيق من التسعين، فكان لها موتاً عاجلاً، وكانت له قوتاً حاصلاً، والحمد لله الذي منّ بهذه النعمة على الإنسان، وفضّله بما سخر له من الحيوان، وفيه أقول:
فانقض مثل الدلو خلاه الرشا ... ليس يشا غير الذي منه يُشا
إن طار عنه صيده وإن مشى ... أو غاب عنه في السماء فتّشا
أو غاص عنه الأرض عليه نبشا ... يسفر عن خد صباح أبرشا
طارت بقايا الليل فيه نمشا ... يخاله من قد رآه أرقشا
عاجا بآبنوسه محرشا
وما زلنا في ذلك نتحول عن تلك المنازل، ونتجول في تلك الخمائل، حتى ثار من حُمُرِها أفراد حِران، كأنّهن أولاد غزلان، قد جمع الأجل منها ما افترق، وأخرجها من كل نفق، فأخذت في الهرب، وأخذنا في اطلب، إثر كل رواع ينعطف انعطاف البرة، ووثّاب يجتمع اجتماع الكرة، وحاك الغضب إزاره، وصاغ التبر حلوقه وسواره، وحلك بالعنبر متنه، وضمخ بالكافور بطنه، ونضج بعبير، ولفّع بحرير، ينام بعيني ساهر، ويفوت بجناحي طائر، قصير اليدين، طويل الساقين، هاتان في الصعود تنجده، وتانك عند الوثوب تؤيّده. فلما طال به الجري، وظن أنّه نجي، ثم أشلينا كلباً حللناه من ساجوره، وخلّيناه الى مسروره، فمرّ يخفي شخصه غباره، وفي شدقه شقرته ناره، إن تنكّب ارتقبه طرفه، وإن