تغيّب أشخصه أنفه، من القَبّ الطامحة العيون، والهُرْت اللاحقة البطون، معرق في نجابته، معم مخول في فراهته، يسمع منك إيماء، ويفهم عنك إيحاء، يمشي فلا يمس الأرض بأربعه، ويجري فلا يسبقه الريح الى منزعه، معترض كالسمهري المعرض، وأبلق كالإبريق المفضض، طرز بالكافور على قدته، ورسم بالمسك على لبّته:
إذا عدا واشتد في طلابه ... يكاد أن يخرج من إهابه
متقداً كالنار في التهابه ... لا يطعن الصيد بغير نابه
فغشيه كالغيث، وأخذه كالليث، ففقر فقاره بشفاره، وقد قميصه بأظفاره، وتلاحقنا به وقد أكبّ على صيده وقعد، كأنها فريسة بين ساعدي أسد، فروّيناه من دمه، وحللنا بينه وبين أدمه، فتهيّز لنا من السوانح ما أردناه، وتمكن بالجوارح ما قصدناه، وحمدنا الله تعالى إذ علمنا فعلمناها، وجعلها آلة من آلات الرزق فاستعملناها، ثم أظلّنا ليل كظهر الفيل التف جنحه بإهابه، وافترّ فجره عن نابه، فكأنّ بدره ينبس عن صبحه بمصباح ومرّ يحدوه النسر، الى أن لفّ الرُّبا في ملاءة الفجر، فنمنا نومة النصب، وهدأنا هدأة الوصب، فما صحت العين من رقادها، إلا لتغريد الطير في أعوادها، وذكاء قد أذكت نفسه علينا، وسفت فكشفت عن صفحتها إلينا:
بتنا وبات البرد يضربه الندى ... من كل أخضر بارد الأنداء
والليل يخفي نفسه في نفسه ... والصبح كشاف لكل غطاء
وكأنّما الإصباح تنشر مهرقاً ... أثر المداد به من الإمساء
وقُرّبت السوابق فجلنا في متونها، واطمأنت الأوابد فخليناها لشؤونها وعدنا من تلك النزهة وقد تسلّت النفوس، ورجعنا من تلك الوجهة