هناك تخصيص الكتاب بالإجماع: وهذا لم يذكره المصنف، وذلكم كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(٩) سورة الجمعة]: والمقرر عند أهل العلم أنه يدخل في مثل هذا النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الرجال والنساء الأحرار والعبيد، هم داخلون في مثل هذا النص، لكنهم أجمعوا على أنه لا جُمعةَ على عبد ولا امرأة، يقول الآمدي: لا أعرف في التخصيص بالإجماع خلافاً، ويقول الشوكاني: وفي الحقيقة يكون التخصيص بدليل الإجماع لا بنفس الإجماع.
الإجماع أولاً لا بد له أن يعتمد على دليل، لا بد أن يستند إلى دليل؛ فالمخصص هو دليل الإجماع، ما هم قالوا في النسخ: الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ؟
نعم؛ لأن النسخ من خصائص النصوص، فإذا أجمع أهل العلم على خلاف خبر من الأخبار نقول: هذا الخبر منسوخ، بأي شيء؟
بدليل الإجماع، بالدليل الذي استند إليه الإجماع، لا بالإجماع نفسه؛ لأنه عرفنا أن النسخ من خصائص النصوص، وكذلك التخصيص، إلا أنه عندهم التخصيص أوسع، التخصيص أوسع من دائرة النسخ.
تخصيص الكتاب بالقياس: الجمهور يذهبون إلى جوازه، وبه يقول الثلاثة، وهو رواية عن أحمد، يقول الشوكاني: والحق الحقيق بالقبول أنه يخصص بالقياس الجلي؛ لأنه معمول به لقوة أدلته وبلوغها إلى حد يوازي النصوص، ومثلوا له بقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(٢) سورة النورٍ]: فإن عموم الزانية خص بالكتاب وهو قوله تعالى في الإماء: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(٢٥) سورة النساء].