أما الصيغة لذاتها فإنها لا تقتضي التكرار، وقال بعضهم: إنها لا تقتضي التكرار ولا عدم التكرار؛ هي تقتضي وجوب الفعل والتكرار وعدمه هذا من أدلةٍ أخرى.
قوله: ولا تقتضي الفور: أي أن صيغة الأمر لا تقتضي الفور -يعني ولا التراخي إلا بدليل- صيغة الأمر لا تقتضي الفور، نعم، إذا ضاق الوقت وخرج الوقت الذي حدد لهذا العمل، فلا بد من الفور، لا بد من المبادرة. لو قال الأب لابنه بعد صلاة العشاء مثلاً: اشتر خبزاً.
خبز لإيش؟ للعشاء أو للفطور؟
قال: للفطور.
الآن يذهب ليشتري أو الوقت فيه سعة؟
الوقت فيه سعة، فلا يقتضي الفور حينئذٍ؛ لأن المقصود إيجاد الفعل من غير اختصاصٍ بالزمن الأول أو الثاني.
المقصود أنه لا ينتهي الوقت المحدد له، مثل: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(٧٨) سورة الإسراء]: أي لزوالها، أقم صلاة الظهر لدلوك الشمس -لزوالها- هل يعني هذا أنك تقيم الصلاة بمجرد الزوال، أو الوقت موسع كما دل عليه الدليل إلى مصير ظل كل شيءٍ مثله؟
المراد بالدلوك أيش؟ هاه؟ دلوك الشمس: زوالها، وقيل له الدلوك لماذا؟ لماذا قيل له الدلوك؟ لماذا قيل للزوال دلوك؟
قالوا: لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيحتاج إلى دلك لهذا، هكذا قالوا.
المقصود أن الصيغة لا تقتضي الفور إلا إذا دل الدليل على ذلك، مثل: ((تعجلوا الحج) على خلافٍ فيه هل هو واجب على الفور أو على التراخي، وأقوال أهل العلم في بابه مبسوطة.
وقال بعضهم: إنه يقتضي الفور، وهذا قول المالكية، وهو أيضاً قول معتبر عند الحنابلة؛ للأمر بالمسارعة والمسابقة: {وَسَارِعُواْ} [(١٣٣) سورة آل عمران]، {سَابِقُوا} [(٢١) سورة الحديد]، {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} [(٤٨) سورة المائدة]، ولا شك أنه أحوط وأبرأ للذمة، لكن الإلزام يحتاج إلى نصٍ قاطع، قال في قرة العين: "وهو مقتضى قول كل من قال إنه يقتضي التكرار".
يقول الناظم: باب الأمر:
وحده استدعاء فعل واجب ... بالقول ممن كان دون الطالب
بصيغة افعل فالوجوب حققا ... حيث القرينة انتفت وأطلقا
لا مع دليل دلنا شرعاً ... على إباحة في الفعل أو ندبٍ فلا
بل صرفه عن الوجوب حتما ... بحمله على المراد منهما