يقولون: الحظر مقدم على الإباحة، لا شك أن النهي ويلتحق به قواعد: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فعلى هذا نترك المحظور، وإن ترتب عليه ترك مأمور؛ لأنه في الحديث الصحيح:((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))، فلا شك أن القائل: بأن الحظر مقدم على الإباحة يوافق عليه الشافعية، وبهذا يرجح قول الأئمة الثلاثة، وهو أن الداخل إلى المسجد لا يتنفل في الأوقات الخمسة، من هذه الحيثية رجحوا بهذا بالقاعدة، بالمقابل للشافعية أن يقولوا -أن يرجحوا قولهم بقواعد أخرى- يقولون: العموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله الخصوص، فالعموم المحفوظ أقوى؛ لأن العموم يضعف بقدر ما يدخله من المخصصات، وعموم أحاديث ذوات الأسباب محفوظ وإن دخله خصوص أحاديث النهي، يعني نستحضر خصوص أحاديث النهي وأنه دخل عموم أحاديث ذوات الأسباب، لكن ما دخل عموم أحاديث النهي من المخصصات أكثر مما دخل عموم أحاديث ذوات الأسباب من المخصصات، فعلى هذا يبقى عموم أحاديث ذوات الأسباب أقوى من عموم أحاديث النهي، وبهذا يرجح الشافعية مذهبهم.
وما زالت المسألة من عضل المسائل، حتى قال جمع من أهل العلم: لا تدخل المسجد في أوقات النهي؛ لئلا تقع في الحرج؛ لأنك إن صليت عارضت حديث النهي، وحديث النهي صحيح، وإن جلست عارضت الأمر .. ، أو النهي عن الجلوس حتى تصلي ركعتين.
قال بعضهم: لا تدخل في أوقات النهي؛ دفعاً لهذا الحرج، وبعضهم قال: ادخل لكن لا تجلس، المسألة من عضل المسائل فيما قرره أهل العلم، ليست من السهولة بمكان بحيث يدخل الإنسان قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويتنفل، ونفسه تطيب بهذا ومرتاح وما كأنه خالف شيئاً، بعض أهل العلم يقول: لا تدخل في هذا الوقت؛ منعاً للحرج، وبعضهم يقول: إذا دخلت لا تجلس.
قول الظاهرية في هذا غير معتبر؛ لأنهم يقولون: إذا دخلت اضطجع، فما تصير جلست ولا صليت في وقت النهي، لكنه لائق بمذهبهم.
على كل حال نعود إلى المسألة وهي تحتاج إلى مزيد مرجحات، والمرجح مع من يعمل بأحاديث النهي، وهم الجمهور، ويمنعون من الصلاة في أوقات النهي.