أنت الآن أثبِت حجيته، ثم ثبوته مرحلة ثانية، فلا تستدل ولا تحتج إلا بما ثبت.
الحديث الذي أشار إليه المؤلف:((لا تجتمع أمتي على ضلالة)): أيضاً يدل على حجية الإجماع، وهو حديث مخرج عند أبي داود والترمذي ولا يسلم من مقال، لكنه له طرق تشد بعضها بعضاً، تدل على أن له أصلاً، والشرع ورد بعصمة هذه الأمة -كما قال المؤلف- للأدلة التي ذكرها ولغيرها.
يقول -رحمه الله تعالى-:
والإجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان: من لازم كون الإجماع حجة قطعية أن يلزم أهل العصر الثاني، مقتضاه هو العمل به، فإذا أجمع الصحابة -رضوان الله عليهم- على حكم شرعي حينئذ ليس للتابعين أن يخالفوا هذا الإجماع، بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم في أي عصر من العصور، وهكذا.
ثم قال: ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح: قوله: على الصحيح: يدل على أن هناك من يشترط، وإن كان مرجوحاً إلا أن هناك قول يقول باشتراط انقراض العصر.
فإن قلنا: انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه -هذا كلام المؤلف- وصار من أهل الاجتهاد، ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم: خلاص ما دام وجد قبل انقراضهم فإنه لا ينعقد إجماعاً.
ذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط انقراض العصر فينعقد الإجماع بمجرد اتفاق المجتهدين ولو كانوا أحياء، فلا تجوز حينئذ مخالفتهم؛ لأن أدلة حجية الإجماع لا توجب ولا تشير، وليس فيها إشارة إلى انقراض العصر.
والإجماع .. ، ولأن الإجماع هو الاتفاق بين العلماء المجتهدين في عصر من العصور، وقد حصل، فإذا حصل هذا الاتفاق من المجتهدين كلهم فقد حصلت حقيقة الإجماع.
ذهب بعض الشافعية ورواية عن الإمام أحمد إلى أنه يشترط انقراض العصر، ووجه اشتراطه احتمال رجوع بعض المجتهدين عن رأيه، بعض المجتهدين متفق، هو في الأصل متفق مع العلماء، ثم يتبين له من أدلة المسألة ما يرجح له خلاف ما قاله أولاً، وإذا ترجح لديه خلاف ما ذهب إليه أولاًً فإنه حينئذ يؤول الأمر إلى الخلاف، وإذا وجد الخلاف فلا إجماع، لكن الراجح هو القول الأول، ولذا قال المصنف: هو الصحيح.
وفي قوله: فإن قلنا انقراض العصر شرط: بيان لثمرة الخلاف، وتتمثل في أمرين: _