عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما دخل المدينة ووجد الناس حول المنبر، أهل المدينة كلهم مجتمعون حول المنبر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معتزل نسائه في المشربة، وهو في الحديث الصحيح، أهل المدينة كلهم تناقلوا الخبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، النبي -عليه الصلاة والسلام- حصل بينه وبين نسائه ما يحصل من البشر، طلبوا منه مطالب فآلى أن يعتزل النساء شهراً، وجلس في المشربة؛ اعتزلهن، فصدر إشاعة في المدينة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، فصدَّق الناس كلهم، ليش صدقوا؟ لأنه اعتزل، خلاص جلس وحده بدون نساء، ولمدة شهر، فوافقت هذه الإشاعة بعض التصرفات التي قد يظن منها صدق هذه الإشاعة، فصدق الناس بهذا الخبر، فدخل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن استأذن مراراً على .. ، دخل عمر -رضي الله عنه- بعد أن استأذن مراراً فسأله: أطلقت نساءك؟ قال:((لا))، فثبت أن هذه مجرد إشاعة ولو كثر تناقلها.
فالإشاعات لا يعتمد عليها، ولو كثر ناقلوها، ومثلها ما ينقل في مثل هذه الظروف من أخبار، وسهلت الآن، سهل ترويج الإشاعات، والناس في مثل هذه الظروف -في أوقات الفتن- تشرأب أنفسهم إلى تلقي مثل هذه الأخبار، وسرعان ما ينتشر الخبر في أقطار الأرض.
المقصود أن الإشاعات، يعني على المسلم أن يتثبت، وأهل العلم وضعوا شروطاً شديدة لمن تقبل روايته ومن ترد، فلا بد من اعتبارها، فعلينا أن نعتني بهذا الباب؛ لأن الإشاعات ضررها عظيم، ضررها عظيم، فالتثبت أمر لا بد منه.
يقول: إلى المخبر عنه، فيكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع لا عن اجتهاد: يعني المسائل العقلية التي يتوصل فيها إلى النتائج بطريق العقل الفلاسفة كلهم ألوف مؤلفة مجمعون على قدم العالم، وتلقاه عنهم من تلقاه عنهم، لكن هذه مسائل عقلية، لم تنتج لا عن مشاهدة ولا سماع، فعلى هذا لا يفيد التواتر.
أمم الأرض كلها في كتبهم -أعني من غير المسلمين- قد يجمعون على مسائل، لكنها نتيجة دراسات غير مبنية على شيء محسوس نتائج عقلية، ولذا سرعان ما تنتقض؛ يأتي جيل آخر ويدرس هذه المسألة بطريقة أخرى، وينكشف له من الأسرار والأمور ما ينسف به النظرية السابقة، فهذه مجرد نظريات.