أقول: إهمالهم للقياس أوقعهم في مثل هذه المضحكات، ومع ذلكم هم فيهم من الأذكياء .. ، ابن حزم ليس بغبي، ابن حزم من أذكياء العالم، من العباقرة الكبار، لكن المسألة أصل، أصول، إذا مشى الإنسان على أصل خلاص ما يحيد عنه، يعني في المقابل أناس استرسلوا مع الرأي، استرسلوا مع الأقيسة، وأخذوا يشققون المسائل ويفرعون في مسائل قد تقع ومسائل جلها لا يقع يصار على حساب النصوص، شغلهم هذا عن حفظ النصوص وفهمها.
لو قال قائل: إن ترك الظاهرية للقياس سببه تعظيم ظواهر النصوص، تعظيم ظواهر النصوص، هو الذي أوقعهم في ترك القياس وإبطاله، ولا يبعد أن يكون هذا المذهب ردة فعل لتصرفات أهل الرأي، الذين يردون النصوص الصحيحة بالأقيسة والآراء.
فمع ذلك كله، أو بعد ذلك كله فالراجح قول الجمهور، الراجح قول الجمهور، يعني لو وجدنا لأهل الظاهر قول يخالفون فيه الأئمة قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأتباعهم، وسفيان والطبري والأوزاعي وأئمة الإسلام على قول، وأهل الظاهر في جهة في قول، هل نقول: نرجح ما يرجحه الدليل بغض النظر عن قائله، أو نقول: اتفاق هؤلاء الأئمة كلهم تدل على أن عندهم شيئاً مما يعتمد عليه وإن لم نقف عليه؟
يعني كثيراً ما نقف فيكتب الحديث على مسألة قال فيها جماهير الأئمة –جماهير أئمة الإسلام- بالاستحباب، وفيها أمر صريح، وهم يتفقون على أن الأصل في الأمر الوجوب، فقال أئمة الإسلام بالاستحباب، وقال أهل الظاهر بالوجوب.
ومثله لو وقفنا على حكم اتفق الأئمة الأربعة وأتباعهم على القول بكراهته وفيه النهي الصريح، وقال أهل الظاهر بالتحريم، من نتبع؟ ما الذي يرجح في مثل هذا؟ هل نقول: أقوال الأئمة الأربعة مع أتباعهم والحق مع الأكثر؟ أو نقول: لا يلزم أن يكون الحق مع الأكثر، ما يمنع أن يكون الحق مع أهل الظاهر في هذه المسائل؛ لأن معهم الدليل صريح وواضح، الأمر أصله الوجوب؟