يقول الخصم: أنا لا أوافق على قطع الخف، لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطب بعرفة وحضره الجموع الغفيرة ممن لم يحضره بالمدينة ولم يشر إلى القطع، فدل على أنه منسوخ القطع، إذن الأصل دليله منسوخ، فإذن لا نحتاج .. ، لا نستطيع أن نقيس عليه؛ لأن دليله منسوخ، ظاهر وإلا ما هو بظاهر، واضح وإلا ما هو بواضح؟ ما تعرفون حكم لبس الخف للمحرم، وأن فيه خلافاً بين أهل العلم، هل يقطع أو لا يقطع؟ وأن من قال بقطعه قال:((وليقطعهما)) قيد، نص مقيد وذاك مطلق، وحينئذ يحمل المطلق على المقيد وينتهي الإشكال، والذين قالوا يلبس بدون قطع يقولون: نسخ.
النبي -عليه الصلاة والسلام- خطب بالمدينة وبين الأحكام وقال:((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين))، وهذا متقدم، وفي عرفة بعد ذلك خطب وحضره جموع غفيرة، يعني ما يقال اكتفاء بما بيِّن في المدينة، حضره جموع غفيرة ممن لم يحضر هناك، ولا أشار إلى القطع، مع أدلة أخرى تعضد المسألة، والنهي عن إضاعة المال وما أشبه ذلك.
فإذا قسنا السراويل على الخف، وقلنا: يقطع السروال ويقتصر منه على قدر الحاجة، كما يقطع الخف، نحتاج إلى مقيس عليه ثابت بنص محكم لم يثبت بنص منسوخ.
يقول الخصم: أنا لا أوفاقك على الأصل فضلاً عن الفرع، ويمكن أيضاً إدخال هذا الشرط فيما ذكره المؤلف من أن يكون الأصل ثابتاً بنص متفق عليه بين الخصمين.
من الشروط التي ذكرها الشوكاني: أن يكون الحكم الثابت في الأصل شرعياً، فلو كان عقلياً أو لغوياً لم يصح القياس عليه؛ لأن بحثنا إنما هو بالقياس الشرعي، كيف؟
البحث في القياس الشرعي، هناك شيء يسمى القياس في اللغة، القياس في اللغة وفيه كتب مؤلفة، وأيضاً العقليات يدخلها القياس، ويدخلها التنظير، هل معنى هذا أنه لا يثبت القياس في اللغويات ولا في العقليات؟ لكن المقصود بالقياس الذي يبحث هنا، وهو القياس الشرعي، لابد أن يكون الأصل شرعياً، ثبوت الحكم في الأصل شرعياً لا لغوياً ولا عقلياً، وإلا فالقياس في اللغة معروف، والقياس في العقليات والتنظير لها معروف.