وعلى هذا إذا عرفنا أن هذه العلوم التي يسميها أهل العلم علوم الآلة التي هي مجرد وسائل لفهم المقاصد من نصوص الوحيين فلا ينبغي لطالب العلم أن يصرف كلَّ وقته لهذه العلوم، بل عليه -لا أقول ينبغي- بل عليه أن يأخذ منها بقدر ما يحتاج إليه في فهم الكتاب والسنة، وليس معنى هذا التقليل من شأن هذه العلوم، القدر الذي يتوقف عليه فهم الكتاب والسنة أمر لا بد منه سواء كان في علوم العربية، أو في أصول الفقه أو في علوم الحديث، أو في قواعد التفسير وعلومه، وغير هذه العلوم مما يحتاجه من يعاني نصوص الوحيين.
ومع هذا التوجيه وعدم إضاعة جميع الوقت في تحصيل هذه الوسائل .. ؛ لأن من الناس من يستهويه علم النحو مثلاً أو علم أصول الفقه فتجده في جميع مراحل عمره، في شبابه، في كهولته، في شيخوخته، إلى أن يموت وهو يقرأ ويقرئ ويدرس ويؤلف في النحو فقط.
إذا عرفنا أن هذا وسيلة لفهم الكتاب والسنة فكيف نقدمه على الغاية والمقصد، ومثله تجد مثلا ًالشخص يتدرج في علم النحو ويقرأ الأجرومية ثم القطر ثم الألفية ثم يطلع إلى ما فوق ذلك من شروح الألفية والمفصل وشروحه وكتاب سيبويه ثم ينتهي عمره على لا شيء، والنحو كما قال أهل العلم: كالملح في الطعام، معناه إذا زاد ضرَّ، لكنه لا بد منه.
ومثله أصول الفقه، تجد بعض الناس يقرأ الورقات ويقرأ شروح الورقات وما نظم فيها، وشروح المنظومات، ثم يطلع إلى مختصر التحرير أو التحرير مع شرحه، ثم الروضة مع شروحها ثم المستصفى ثم البحر المحيط وغيره ويفني عمره في ذلك، فلا إفراط ولا تفريط.