فأهل العلم قسموا المتعلمين إلى طبقات: المبتدئين، المتوسطين، المنتهين المحصلين، ولكل طبقةٍ كتب في كل فن، والشوكاني له كتاب في آداب الطلب وطبقات المتعلمين أشار إلى شيءٍ من ذلك.
وهذه المتون وهذا التدرج أمر عرفي اصطلاحي يختلف في كل بلدٍ عن البلد الآخر، فكل أهل بلد لهم عناية بكتب خاصة، كما أن لأهل كل مذهب عناية بكتب خاصة دون غيرها.
من أجود ما ألف للمبتدئين في هذا الفن:(كتاب الورقات) -الذي نحن بصدد شرحه- لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني الشافعي المتوفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
قد يقول قائل: إن قراءتنا لمثل هذا الكتاب ترويج لكتب المبتدعة، الجويني من رؤوس الأشعرية -كما هو معروف- ومن المنظرين في المذهب والقائمين عليه -من أئمتهم- لكنه رجع عن مذهبه، والكتاب في الجملة خالٍ عن البدعة، وعلى طالب العلم أن يكون منصفاً في أقواله وأحكامه على الناس، فالحق يقبل ممن جاء به، نعم، إذا وجد نظيره لشخصٍ لم يتلبس بشيءٍ من المخالفات هذا هو الأصل، كما أن الأصل في الرواية أن تكون عن سنيٍّ لم يتلبس ببدعة، لكن إذا لم يوجد هذا الحديث وهذا الخبر إلا عند من رمي بنوعٍ من البدعة، فتحصيل مصلحة رواية هذا الخبر وحفظه للأمة مقدمة على هجر هذا المبتدع وترك الرواية عنه، وكتب السنة -بما في ذلك الصحيحين- طافحة بالرواية عن المبتدعة، فالحق يقبل ممن جاء به، وتفصيل رواية المبتدع وقبولها أو ردها مبسوط في كتب علوم الحديث، والذي دعانا إلى ذلك أن مؤلف هذا الكتاب كان متلبساً ببدعة.
وبعض الإخوان -وهذا من شدة حرصهم وغيرتهم على السنة ولا يظن بهم إلا خيراً- يرى أن يهجر كل ما جاء عن المبتدعة؛ ولهم في ذلك سلف، الإمام مالك -رحمة الله عليه- لا يجيز الرواية عن مبتدعٍ البتّة؛ إماتة لذكره وإخماداً لبدعته، لكن واقع كتب السنة كصحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة المعتمدة خُرِّجَ فيها لكثير من المبتدعة؛ وذكرنا أن تحصيل الفائدة المرتبة على الخبر الذي جاءنا من طريق هذا المبتدع -الذي هو ليس من الغلاة في بدعته ولا يدعو إليها- مقدم على مصلحة إماتته وإخماد بدعته.