معروف قول الأكثر: تقديم النهي على الأمر؛ ((إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه))، محسوم، أما ((إذا أمرتكم فأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم))، وهذا قول الأكثر.
شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- يرى العكس -أن الأمر مقدم ومخالفة الأمر أعظم من ارتكاب المحظور- ويستدل بأن معصية آدم ارتكاب محظور، ومعصية إبليس مخالفة أمر، ومعصية إبليس أعظم.
لكن ما الذي خفف معصية آدم، وما الذي جعل معصية إبليس عظيمة؟
ما صاحب المعصيتين من غرور واستكبار واستنكاف من إبليس، ومن ندم واستصغار من آدم عليه السلام.
وعلى كل حال في مثل هذه المسألة لا يجاب بقولٍ مطلق، بل يرجع فيه إلى مقدار هذا الأمر وعظم هذا الأمر المتروك المقرون بالنهي، كما أنه ينظر فيه إلى عظم ارتكاب المحظور بالنسبة للمأمور.
فلو تصورنا شخصاً مطالباً بصلاة الجماعة، وفي طريقه إلى المسجد نساء متبرجات، نقول يلزمك حضور صلاة الجماعة، وغض بصرك، لكن هو مطالب بصلاة الجمعة في المسجد وفي طريقه بغي، ومن وراء هذا البغي ظالم يجبر الناس على مقارفة الفاحشة معها؟ نقول: ترك المأمور أو ارتكاب المحظور؟
طالب:. . . . . . . . .
ترك المأمور أسهل من ارتكاب المحظور، وعلى هذا كل مسألة تقدر بقدرها، فلا يقال بحكمٍ عام مطَّرد في مثل هذا، بل ينظر إلى كل مسألتين متقابلتين من هذا النوع على حده.
يقول هذا -مع أن الوقت طال بنا، وما كنت أنوي أن أجيب عن مثل هذه الأسئلة بحضور شيوخنا لكن .. - هذا يقول: أعشق المناظرات -في أشياء له ارتباط بما مرّ بنا- أعشق المناظرات والجدال لا للعناد، وإنما لقول كلمة الحق، مع علمي بأن المراء العقيم من يتركه يكون قد ضمن له الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجنة، ما هي نصيحتكم؟
أولاً: المجادلة مجادلة الخصوم بالحق بالتي هي أحسن مطلب شرعي، مناظرة الكفار بالتي هي أحسن -بالرفق واللين- طلباً للحق وبحثاً عنه، هذا لا شك أنه أسلوب من أساليب الدعوة، هذا مطلوب، وهذا الأسلوب موجود في النصوص من الكتاب والسنة، لكن الجدال لذاته، والمراء لإظهار العلم -لكي يقول الناس: هذا يحسن كذا- فيه ما في غيره من أبواب العلم.