للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو الذي استخلصته في بيان أسباب انكشاف المسلمين في بداية المعركة، معتمدا على المرويات الواردة في ذلك، ولكن الأمر لم يدم طويلا في تلك المعركة لصالح المشركين، بل نصر الله جنده في نهاية الأمر، كما سيتبين ذلك من خلال دراستنا لهذه الغزوة.

وفي ختام هذا المبحث أحب أن أشير إلى أن من سنن الله الكونية التي لا تتخلف أن الله سبحانه وتعالى، جعل للنصر والظفر على الأعداء أسبابا، كما جعل للهزيمة والانحدار أسبابا، فمن أخذ بأسباب النصر جاءه النصر بإذن الله، ومن تخلى عنها أو عن بعضها جاءته الهزيمة والانتكاس.

والعبرة التي يجب تقريرها والتأكيد عليها في هذا المبحث أيضا أن الجيش الإسلامي الذي يكون قائده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذا حصل منه تقصير في جنب الله، فإنه يعاقب بالهزيمة ولا يخرج عن سنة الله في ذلك، فلا ينتصر وهو غير مستوجب لشروط النصر وأسبابه.

فوقوع مثل هذا في جيوش المسلمين المقصرين في حق الله عليهم، والذين قوادهم من البشر العاديين أولى وأحرى، وإنه لدرس عظيم تقدمه لنا سيرة سلفنا الصالح وحياة ذلك الرعيل الأول، الذين عاش بين ظهرانيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والوحي ينزل عليه، وقد أذاقهم الله حلاوة النصر من عنده إذا صبروا وصدقوا واستكملوا عناصر النصر المادية والمعنوية، ولم يغفلوا عن الله.

كما أذاقهم مرارة الهزيمة، إذا هم غفلوا عن الله وتنازعوا وركنوا إلى الدنيا وبيّن لهم أن ذلك الانهزام ما جاءهم إلا من عند أنفسهم إما إعجابا بكثرتهم أو بإقبالهم على حطام الدنيا، أو بغير ذلك من الأسباب.

وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وممّا يحسن الإشارة إليه هنا – أيضا – أن المسلمين في غزوة حنين كانوا اثني عشر ألفا أو يزيدون١، وقد حصل لهم ما بيّناه في هذا المبحث من إدبارهم على رغم هذا العدد الكبير الذي لم يتوافر مثله في غزواتهم السابقة، وقد يتوهم متوهم أن هذا يعارض ما رواه أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس الوارد فيه:


١ انظر ص١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>