للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك بأدلة منها قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} الآية.

قالوا: الأنفال: الغنائم كلها، والآية محكمة لا منسوخة، احتجوا أيضا بما وقع في فتح مكة، وقصة حنين، قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم، ولم يجعلها غنيمة ولم يقسمها على الجيش، فلو كان قسم الأخماس الأربعة على الجيش واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة.

وكذلك غنائم هوازن في غزوة حنين، أعطى منها عطايا عظيمة جدا، ولم يعط الأنصار منها مع أنهم من خيار المجاهدين، الغانمين معه صلى الله عليه وسلم، فلو كان يجب قسم الأخماس الأربعة على الجيش الذي غنمها لما وزعت الغنائم على غير الغانمين، ثم قال: وأجاب الجمهور عن هذه الاحتياجات بأن آية: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} .

وأما الجواب عما وقع في فتح مكة، فإن مكة وإن كانت فتحت عنوة على المشهور، فإنها ليست كغيرها من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة.

وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين وقد عوضهم نفسه صلى الله عليه وسلم فإن الأنصار لما قالوا يمنعنا ويعطي قريشا وسيوفنا تقطر من دمائهم فجمعهم وكلمهم بقوله: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم" فرضي القوم وطابت نفوسهم، وقالوا: "رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا" ١

قال الشوكاني: "وليس لغيره صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول"٢. وأجاب ابن تيمية عن هذا أيضا فقال: "ولو فتح الإمام بلدا وغلب على ظنه أن أهله يسلمون ويجاهدون جاز أن يمن عليهم بأنفسهم وأموالهم وأولادهم كما فعل صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، فإنهم أسلموا


١ أضواء البيان ٢/٣٥٤، و٣٥٦، و٣٥٧، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٨/٣-٤.
٢ فتح القدير ٢/٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>