للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي لفظ عن عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم، من أحرم لمناة١ لم يطف بين الصفا والمروة، وأنهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك حين أسلموا، فأنزل الله عز وجل في ذلك {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} .

إن حديث عائشة - رضي الله عنها - برواياته المتعددة يعطينا صورة عن حالة العرب قبل الإسلام، وكيف تمكن الشيطان منهم فزيّن لهم عبادة غير الله من الأصنام والأحجار والأشجار، ويصور لنا مدى حبهم واحترامهم وإجلالهم لهذه الآلهة المزعومة حتى أنهم كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، وأشدهم في ذلك تعظيما لمناة الأوس والخزرج، فلما جاء الله بالهدى والنور ودخلوا في دين الله الحق، سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم طوافهم بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} كما ورد ذلك في حديث عائشة وأنس بن مالك.

هذه نبذة يسيرة عن موقف العرب من الأصنام وما كان لها في نفوسهم من المكانة، وخاصة "مناة" التي كان يعبدها جل العرب، ولذا فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عندما دخل مكة فاتحاً وجّه عنايته البالغة إلى تحطيم هذه الأصنام الموجودة داخل الحرم وخارجه، حتى يعبد الله وحده ويكفر بما سواه من الأنداد الفاسدة والعقائد الضالة المنحرفة.


١ ورد عند مسلم أيضا من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه "أن عائشة قالت لعروة: وهل تدري فيما كان ذاك؟ إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر، يقال لهما إساف ونائلة، ثم يجيؤون فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية. قالت: فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ، [البقرة: من الآية١٥٨] ، إلى آخرها، قالت: فطافوا".
قال النووي: قال القاضي عياض: (هكذا وقع في هذه الرواية، وهو غلط، والصواب ما جاء في الروايات الأخرى في الباب "يهلون لمناة"، وفي الرواية الأخرى "لمناة الطاغية التي بالمشلل" قال: وهذا هو المعروف، و"مناة" صنم كان نصبه عمرو بن لحي في جهة البحر بالمشلل مما يلي قديدا، وكذا جاء مفسرا في هذا الحديث في الموطأ، وكانت الأزد وغسان تهل له بالحج، ... وأما "إساف ونائلة" فلم يكونا قط في جهة البحر، وإنما كانا عند الكعبة، وقيل على الصفا والمروة. (شرح النووي على صحيح مسلم ٣/٤١١، وابن حجر: فتح الباري ٣/٥٠٠) .
قلت: ولعل الوهم من أبي معاوية، فإن الحديث رواه مالك، عن هشام بن عروة عن أبيه فجاء مفسرا فيه أنهم كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد. انظر: الموطأ ١/٣٧٣ كتاب الحج، باب جامع السعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>