قَولُهُ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ": هَذَا الحَدِيثُ يَتَعَارَض ظَاهِرهُ مَعَ قَولِ الله تَعَالَى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأَعْرَاف ٣٤]. وَقَدْ أَجَابَ العُلَماءُ: بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمٍ المَلَكِ المُوَكَّلِ بِالعُمُرِ، وَأَمَّا الأَوَّلُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، كَأَنْ يُقَالَ لِلْمَلَكِ مَثَلًا إِنَّ عُمُرَ فُلَانٍ مِائَةٌ مَثَلًا إِنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَسِتُّونَ إِنْ قَطَعَهَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَصِلُ أَوْ يَقْطَعُ، فَالَّذِي فِي عِلْمِ الله لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَالَّذِي فِي عِلْمِ الْمَلَكِ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ وَإِلَيْهِ الإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرَّعْد: ٣٩]. فَالمَحْوُ وَالإِثْبَاتُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي عِلْمِ المَلَكِ وَمَا فِي أُمِّ الكِتَابِ هُوَ الَّذِي فِي عِلْمِ اللَّه تَعَالَى فَلَا مَحْوَ فِيهِ البَتَّةَ وَيُقَالُ لَهُ القَضَاءُ المُبْرَمُ وَيُقَالُ لِلْأَوَّلِ القَضَاءُ المُعَلَّق. وَهَذَا القول هُوَ الأَحْرَى بِالقَبُولِ إِذْ الأَصْلُ حَمْلِ الأَدِلَة عَلَى الحَقِيقَة، وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو لِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. رَاجِعْ فَتْح البَارِي، لِلحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ " ١٠/ ٤١٦ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute