وَقَدْ أَشَارَ إِلَى نَكَارَتِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ بَكْرِ بْنِ بَكَّارٍ، وَلَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا عَنْ شَيْخِنَا أَبِي الأَسْوَدِ".قَوْلُهُ: "لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ": أَيْ: لَا يُكَافِئُهُ بِإِحْسَانِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهِ، وَالأُمُّ مِثْلُهُ أَيْضًا. "إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ": المَمْلُوكُ: العَبْدُ. وَالمَعْنَى: أَيْ: يُخَلِّصُهُ مِنَ الرِّقِّ، بِسَبَبٍ شِرَائِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. حَيْثُ أَنَّ الوَالِدَ سَبَبٌ فِي وُجُودِ الوَلَدِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لإِيجَادِ وَالِدِهِ فِي عَالَم الحُرِّيَّةِ. وَإِنَّما صَارَ هَذَا جَزَاءً لَهُ وَأَدَاءً لِحَقِّهِ، لأَنَّ العِتْقَ أَفْضَلُ مَا يُنْعِمُ بِهِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، إِذَا خَلَّصَهُ بِذَلِكَ مِنَ الرِّقِّ وَجَبَرَ بِهِ النَّقْصَ الَّذِي فِيْهِ، وَتَكْمُلُ لَهُ أَحْكَامُ الأَحْرَارِ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ. وَلِلحَدِيثِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَافَ العِتْقَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ بِالشِّرَاءِ إِلَى العِتْقِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ عِنْدَ الشِّرَاءِ. وَالثَّانِي: أَدَقُّ مَعْنَى وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ مُجَازَاةَ الأَبِ لَا تُتَصَوَّرُ، لأَنَّهُ بِنَفْسٍ شِرَائِهِ لِلأَبِ يُعْتَقُ، فَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأَعْرَاف: ٤٠]، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute