للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفاسق أهل للقضاء كما هو أهل للشهادة إلا أنه لا ينبغي أن يقلد ولو كان القاضي عدلًا ففسق بأخذ الرشوة

ــ

وظاهر أن الكلية أعني كل من كان أهل الشهادة هو أهل للقضاء مطردة غير منعكسة عكسًا لغويًا فلا يرد أن من فعل ما يخل بالمروءة فهو أهل للقضاء دون الشهادة، ولأن شهادة العدو عن عدوه من حيث الدنيا لا تقبل وقضاؤه عليه صحيح (والفاسق أهل للقضاء) أي: لتولية القضاء (كما هو أهل للشهادة) أي: لأدائها على معنى أن القاضي لو قضى بشهادته فقد أثم كما يأثم بتولية الفاسد وصرح بذلك في (إيضاح الإصلاح) وأفصح بهذه الجملة دفعًا لقول من قال: إنه ليس بأهل له فلا يصح قضاؤه لأنه لا يؤمن عليه لفسقه وهو قول الثلاثة واختاره الطحاوي. قال العيني: وينبغي أن يفتى به خصوصًا في هذا الزمان انتهى.

أقول: لو اعتبر هذا لانسد باب القضاء خصوصًا في زماننا فلذا كان ما جرى عليه المص هو الأصح، كما في (الخلاصة) وهو أصح الأقاويل كما في (العمادية) واستثنى أبو يوسف ما إذا كان الفاسق ذا جاه ومروءة فإنه يجب قبول شهادته، كذا في (البزازية) وعليه فلا إثم أيضًا بتوليته القضاء حيث كان كذلك إلا أن يفرق بينهما (إلا أنه لا ينبغي) أي: لا يليق (أن يولى) لأنه لفسقه يستحق الإهانة لا التعظيم بتوليته القضاء (ولو كان القاضي عدلًا ففسق بأخذ الرشوة) قبل القضاء أو بعده لا فرق بين رشوته ورشوة ولده ومن لا تقبل شهادته، وكذا أعوانه إذا علم بذلك خصها بالذكر لأنها معظم ما يفسق به القاضي وإلا فالفسق قد يكون بغيرها كشرب الخمر ونحوه (لا ينعزل) فيه إيماء إلى أن قضاءه نافذ فيما ارتشى فيه وهذا أحد أقوال ثلاثة، والثاني: لا ينفذ فيه وينفذ فيما سواه، واختاره السرخسي والثالث: لا ينفذ فيهما، والأول اختاره البزودي واستحسنه في (الفتح) لأن حاصل أمر الرشوة فيما إذا قضى بحق إيجاب فسقه وقد فرض أنه لا يوجب العزل فولايته قائمة وقضاؤه يحق فلم ينفذ وخصوص هذا الفسق غير مؤثر، وغاية ما وجه أنه إذا ارتشى عامل لنفسه أو ولده يعني والقضاء عمل لله تعالى، وأنت خبير بأن كون خصوص هذا الفسق غير مؤثر ممنوع بل يؤثر بملاحظة كونه عملًا لنفسه وبهذا يترجح ما اختاره السرخسي وفي (الخانية) إذا ارتشى لا ينفذ قضاؤه فيما ارتشى فيه وقيل: إنه ينعزل لأنه حين ولاه اعتمد على عدالته فكانت ولايته مقيدة بها فيتحول بزوالها، ولا شك أن الولاية تقبل التقييد والتعليق كما إذا وصلت مكة فأنت قاضيها أو أنت أمير الموسم، والإضافة أيضًا كجعلتك قاضيًا في رأس الشهر، والاستثناء كجعلتك قاضيًا إلا في قضية كذا قال في (إيضاح الإصلاح) وعليه الفتوى، إلا أن ظاهر المذهب وعليه

<<  <  ج: ص:  >  >>