لما فرغ من الأيمان وكفارتها الدائرة بين العبادة والعقوبة ذكر بعده العقوبات المحضة ولولا لزوم التفريق بين العبادات لكان ذكرها بعد الصوم أولى لاشتماله على [٢٩٨/أ] بيان كفارة الفطر المغلب فيها جهة العقوبة / والحد لغة المنع، سميت العقوبة به لمنعها من ارتكاب أسبابها معاودة وكل مانع لشيء فهو حاد له ومنه قيل للبواب والسجان حدادا لمنعه من الدخول والخروج، وسمى أهل الميزان المعرف للماهية حدا لمنعه منهما وعرفا ما أفاده بقوله:(الحد عقوبة مقدرة) بالموت في الرجم وفي غيره بالأسواط الآتية: خرج به التعزيز لعدم التقدير فيه، أي: في مطلقه وما سيأتي من بيان أقله وأكثره فذاك لنوع منه تجب حقا (لله تعالى)، خرج به القصاص لأنه حق العبد ولو كان المقتص هو الإمام كما لو قتل عمدا ولا وارث له، وهذا لأن نفع الحد يعود إلى الكافة من صيانة الأنساب والأعراض والأموال، وفي اصطلاح غير مشهور حذف هذا القيد ليدخل القصاص وعليه فالحد قسمان: ما يصح فيه العفو، وما يقبل، وعلى الأول فالحد مطلقا لا يقبل الإسقاط بعد ثبوت سببه عند الحكم فلا يجوز الشفاعة فيه لأنها ترك طل الواجب، ولذا أنكر عليه الصلاة والسلام على أسامة حيث شفع في المخزومية التي سرقت بقوله:(أتشفع في حد من حدود الله تعالى) نعم قبل الوصول إلى الحاكم تجوز الشفاعة عند الرافع لإطلاقه، وركنه إقامة الإمام أو نائبه، وشرطه كون من يقام عليه من أهل الاعتبار سليم البدن فلا يقام على مجنون وسكران لأنهما ليسا من أهل الاعتبار، ولا على مريض ضعيف الخلقة إلا بعد الصحة، وسببه ارتكاب كبيرة من الزنا أو القذف أو شرب خمر وحكمه انزجار من عليه يقال: كذا في (المحيط) وسيأتي أن المريض إنما يؤخر عنه الحد لا الرجم وأن نحيف البدن يضرب بما يطيق وليس منه كونه مطهرا من الذنب عندنا بل المطهر إنما هو التوبة عملا بآية قطاع الطريق حيث قال تعالى بعد ذكر أحكامهم {ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}(المائدة: ٣٣ - ٣٤) أخبر سبحانه وتعالى أن آخر فعلهم عقوبة دنيوية وأخروية إلا من تاب فإنها تسقط عنه الأخروية بالإجماع، للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في