للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويسوي بينهما جلوسًا وإقبالًا وليتق عن مسارة أحدهما

ــ

أبي أيوب الأنصاري (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: للمسلم على أخيه ست خصال واجبة وإن ترك شيئًا منها فقد ترك حقًا واجبًا لأخيه يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويحضره إذا مات، وينصحه إذا استنصحه) ولابد أن يحمل واجبة على معنى ثابتة لأن الوجوب المصطلح عليه عند الفقهاء (ويسوي بينهما جلوسًا) أي: يجب عليه أن يسوي بينهما من حيث الجلوس لما رواه ابن راهوية من حديث أم سلمة (قال عليه الصلاة والسلام: من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليسو بينهم في المجلس). والإشارة والنظر ولا يرقع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر ولأن في عدمها كسر القلب، وإطلاقه يعم الصغير والكبير والخليفة والرعية والدين والشريف والأب والابن والمسلم والكافر، إلا أنه إن كان المعدي هو الخليفة ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه وأن يجلسه مع خصمه ويقعده على الأرض ثم يقضي بينهما، ودلت المسألة على أن القاضي يصلح قاضيًا على من ولاه، ولا ينبغي أن يجلس واحد عن يمينه والآخر عن يساره لأن اليمين فضلًا، ولذا كان عليه الصلاة والسلام يخص به الشيخين بل المستحب باتفاق أهل العلم أن يجلسهما بين يديه كالمتعلم بين يدي معلمه ويكون بعدهما عنه قدر ذراعين أو نحوهما، ولا يمكنهما من التربع ونحوه وتكون أعوانه قائمة بين يديه.

وأما قيام الأخصام بين يديه فليس معروفًا وإنما حدث لما فيه من الحاجة إليه والناس مختلفو الأحوال والأدب وقد حدث في هذا الزمان أمور وسعها فيعمل القاضي بمقتضى الحال، كذا في (الفتح) يعني فمنهم من لا يستحق الجلوس بين يديه ومنهم من يستحق فيعطي كل إنسان ما يستحق. بقي لو كان أحدهما يستحقه دون الآخر وأبى الآخر إلا القيام لم أر المسألة، وقياس ما في (الفتح) أن القاضي لا يلتفت إليه ثم إذا حضر الخصمان خير القاضي بين أن يبتدئهما بقوله: مالكما؟ وأن يتركهما فإذا تكلم المدعي سكت الآخر، ولا يسأله المدعي بعد ذلك؟ وإن لم يسأل المدعى عليه بعد ذلك قيل: لا والأصح أنه يسأله للعلم بالمقصود ويسوي بينهما جلوسًا (وإقبالًا) لأن في إقباله على أحدهما مسكرة لقلب الآخر.

وقالوا: لا يضحك بوجه أحدهما لأنه يجترئ بذلك على خصمه (وليتق مسارة أحدهما) من يساره في أذنه وتساروا تناجوا، كذا في (القاموس) والمراد أنه يجتنب

<<  <  ج: ص:  >  >>