هذا الخلاف لو قال لغير المدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي والله لا أقربك فدخلت طلقت وسقط الظهار عنده والإيلاء، وعندهما هو مطلق مظاهر مؤول، ولو قال ذلك لأجنبية فتزوجها فعلى ما مر من الخلاف ما لو قدم الظهار والإيلاء، فتزوجها حيث يقع الكل عند الكل أما عندهما فظاهر وأما عنده فلسبق الإيلاء ثم هي بعد محل للظهار وبعدهما هي محل للطلاق فتطلق وفي (الحاوي القدسي): يوم أتزوجك فأنت طالق طالق وطالق فتزوجها وقعت واحدة ولغى ما بقي ولو أخر اليوم وقع الثلاث والله الموفق للصواب.
باب الكنايات
لما فرغ من أحكام الصريح الذي هو الأصل في الكلام لما أنه موضوع للإفهام والصريح أدخل فيه، شرع في الكنايات وهو مصدر كنى يكنو إذا ستر وعند النحاة واللغويين أن يعبر عن شيء معين لفظا أو معنى بلفظ غير صريح إما للإبهام على السامع كقولك: جاءني فلان وأنت تريد معينا، أو للشناعة كالهن للفرج أو للاختصار كالضمير، أو لنوع من الفصاحة كثير الرماد، وعند الأصوليين ما استتر المراد منه في نفسه وخرج بالأخير ما استتر المراد في الصريح بواسطة نحو غرابة اللفظ، أو انكشف المراد في الكناية بواسطة التفسير والبيان، وهما أعني الصريح والكناية من أقسام الحقيقة والمجاز فالحقيقة التي لم تهجر صريح والمهجور التي غلب المجازي كناية، والمجاز الغالب الاستعمال صريح وغير الغالب كناية، وعند علماء البيان لفظ قصده بمعناه معنى ثان وملزوم له أي: استعمل في معناه الموضوع له لكن لا ليتعلق به الإثبات والنفي ويرجع التصديق والتكذيب إليه بل لينتقل منه إلى ملزومه فيكون هو مناط الإثبات والنفي ومرجع الصدق والكذب، بخلاف المجاز فإنه استعمل في غير ما وضع له فينافي إرادة الموضوع له فقولنا: فلان طويل النجاد وقصد بطول النجاد إلى طول القامة فيصح الكلام وإن لم يكن له نجاد قط، بل وإن استحال المعنى الحقيقي نحو {والسموات مطويات بيمينه}[الزمر: ٦٧] و {الرحمن على العرش استوى}[طه: ٥] وأمثال ذلك فإن هذه كلها كنايات عند المحققين كذا في (التلويح) وإذا عرف هذا فما في (البحر) من أنها أن لا يصرح اسم المستعار بل يذكر رديفه ولازمه فتلك الاستعارة بالكناية التي من المجاز بعلاقة المشابهة، ولا يصح إرادتها في شيء من الألفاظ الآتية بخلاف الكناية بالمعنى