ويَلْحَظُهم بعين الرِّفق إسْراراً وجهاراً، ثمَّ نَشَأَ الشابُّ التَّائِبُ،
الدَّائِمُ على طاعَة ربه الدائِبُ، الأمير الأجَلّ المنصور الناصر لدين الله عز وجل أبو يوسف ابن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، وصلَ الله لهم عادَةَ النَّصر والتَّمكينِ، فظهر لأبيه منْ مخائله الكريمة،
وشَمَائِلِه الجميلة الوسيمة وكرمِ النَّجيرَة والشِّيمَة، ماأَدَّاهُ إلى أن اسْتكفاه، فتَعَرَّفَ اليُمْن والأمان في كل
ما أَتاهُ، ولمْ تَزْلْ عُيُونُ الموحدينَ. - أيَّدَهم الله - إليه ممتدَّة، ونُفُوسُهم لتَعْظيمِه وتَقْديمه مُعَدَّةٌ، لما
شاهدوه منْ هدْيِه وإخْباتِهِ، وتَعَرَّفوه منه في جميع حالاته وأوقاته، ومواضع مشاهده وخَلَواته. والسَّعْدُ
يَعِدُهم بإنْجازِ ذلك الوَعْدِ، وإحْرازِ الحظِّ الأسْنى منه والعيش الرَّغْدِ. فلَمَّا اسْتَحْكَمَتِ السعادة، تَحَرَّكَتْ
منهم الرَّغْبَةُ الوكيدَةُ والإرادةُ، فاجْتَمَعَ الملأُ الأَعْلى منْ أهلِ الحَضْرَةِ المُعَظَّمَةِ الذينَ يُقْتَدى بآثارِهم،
ويُهْتَدى بمنارِهم، على مبايَعَته بيْعَة إيمانِ وأمان، وعَدْلٍ وإحسانٍ، فأعطوْا بذلك صَفْقَة الأيْمَانِ
والأيْمُنِ، واثِقين بما لَهم بها منَ الفَضْلِ والإِحْسانِ، والخَيْراتِ الحسانِ، وإنَّها بيْعَةٌ شابَهَتْ بيعة
الرِّضْوان، نَفَثَتْ في الأَمْواتِ رُوحَ الحَيَاةِ، وجَمَعَت الأهواء المَفْطورَة على الاخْتلاف والشَّتاتِ،
وعَرَفَتْ أنَّ لله تعالى بهذه الأُمّةِ أَكْبَر العِناياتِ، ولمَّا نفذَ الأمرُ لعبيدِهم أهل فلانة بادَرَ الجميعُ منهم
إلى عَقْدِ البيعَةِ الكريمة، وشكر النعمة الجسيمة، واثقين بما لَهم فيها منَ الصَّلاحِ الشَّامل للجمهور
المُتَعَرَّفِ به كافَّة الأمور، المُشَرِّفِ لأعْقابِهم على ومرِّ الدُّهور، حظٌّ ساقهُ إلَيْهمْ وافِدُ السعادة، فقد
عَوَّدَهم الله بطاعَتِهم التي هي طاعَةُ الرحمن ومادَّةُ الأمانِ أَكْرَم العادَةِ، فأعْطى الجميعُ منَّا صَفْقَةَ
أَيْمانِهم، حافِظينَ إيمَانَهِمْ وأَمَانَهُم، وبايَعْنا بِنُفوسِ مُنْشَرِحَةٍ، وآمالٍ مُنْفَسِحَةٍ، وعُهودٍ مُؤَكِّدَة، والأيْمان
مُشَدَّدَة، والآرَاءُ مُسَدَّدَة، سيدنا الخليفة الأمير الأجلَّ المنصور أبا