ونُعي إليَّ، أوْشَكَ الله سُلْوانَكَ، ولا أخْلى منْ شَخْصِكَ الكريمِ مَكَانَكَ، الوزيرُ أبو فُلان بَرَّدَ الله ثراه،
وكرَّم مثْواه، فكَأنَّما طعنَ ناعيه في كبدي، وظعَنَ حاديه بذخيرةِ خلَدي. لا جرمَ أنِّي دُفِعْتُ إلى غَمْرَةِ
من التلدُّدِ لو صُدم بها الدَّهرُ لحار، أَوْدُهِمَ بِمِثْلِها الحزمُ لخار، ثمَّ ثابَتْ إليَّ نفسي وقدْ وَقَدَها الجَزَعُ،
وعَضَّها الوَجَع، فأطلْتُ الاسْتِرجاع، وجمَعْتُ الجلَدَ الشعاع، وهَاأنا عندَ الله أَحْتَسِبُهُ جُماعَ فضائل،
وجمالَ محامل، وحديقةَ مكارم ضَرَّحَتْ، وصحيفة محاسِن درستْ وامَّحَتْ؛ وما اقتصرتُ منْ رسْم
التعْزِيَّةِ المَألُوفِ، على القليل المَحْذُوف، إلاَّ لِعِلْمي بأنّ التَّعَزِّي لا يُورِدُ عَلَيْكَ غريباً، ولا يُسْمِعُكَ منْ
موْعِظَةٍ عجيباً، فيكَ يقتدي اللبيب، وعلى مثالكَ يجْتَزئ الأريبُ، وإلى غَرَضِكَ يرْمى المُصيبُ، وفي
تجافي الأقدارِ عنْ حَوْبائِكَ، وسُقُوطِها دُون فِنَائكَ، ما يَدْعُو إلى حُسْنِ العزاء، ويُهَوِّنُ جلائلَ الأرْزاء،
لا صَدَعَ الله جَمْعَكَ، ولا قَرَعَ بِنَبْأةِ المكْروهِ سمْعَكَ، بِعِزّتِه.
وفي المعنى للكاتب الماهر أبي عبد الرحمن بن طاهر:
أَقَمتُ لَهْفَانَ وقدْ أسْمَعَ النَّاعي، فأضْرِمَ نار الأسى بينَ أضْلاعي، للرَّزِيَّةِ العُظْمى، التي رمى سَهْمُها،
فأصْمى، بوفاةِ منْ جُمعَتْ فيه المحاسنُ والخِلال، وزالَ كما تَزُولُ الجبالُ، وقَلَّ له المُشاَبِهُ والنَّظيرُ،
وماتَ بمَوْته البشرُ الكثيرُ، أبو فُلان ربُّ الشَّرَفِ الصَّميمِ، والحَسَبِ العِدِّ الكريمِ، أوْ سَعَهُ الله رحماهُ،
وجعلَ الجنّةَ مَأْواه، فإنّا لله وإنَّا إليهِ راجِعُون؛ على الرَّزِيَّةِ فيه،